وضع المرأة المغربية في ظل مدونة الأسرة الجديدة


1-  مكانة  الـمرأة  في  الإسلام

أ.د. جميلة زيان

بما أن المرأة المغربية امرأة عانقت نور الإسلام، وبما أن الإسلام كرم المرأة أعظم إكرام، كان لابد أن نتلمس الرؤية الإسلامية الصحيحة لمكانة المرأة من مصادر هذا الدين الأصيلة، وأولها القرآن الكريم ثم السنة المطهرة.

وهكذا فإن الأصل في خطاب الشارع الحكيم، قرآنا وسنة، أنه موجه للرجال والنساء سواء، بدءا من تقرير الكرامة الإنسانية إلى تقرير المسؤولية الجنائية، على أن هناك فوارق محدودة قررها الشارع في وضوح، لكن يظل الأصل هو المساواة والفوارق استثناء من الأصل، وهو يتضمن وجوب مشاركة المرأة في مجتمعها على جميع الأصعدة؛ ولا غرو فالمرأة في نصوص هذا الدين:

- شريكة للرجل في الإنسانية والتكريم، يقول سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة}(النساء : 1) ويقول : {ولقد كرمنا بني آدم…}(الإسراء : 70).

- وهي شقيقته في الأحكام، حيث قال نبي الإسلام: (إنما النساء شقائق الرجال في الأحكام)(1)

- وهي شريكته في المسؤولية والتكليف والجزاء، إذ قرر سبحانه أنه: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة…}(النحل : 97)، وقال: {إن المسلمين والمسلمات والمومنين والمومنات والقانتين والقانتات… أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما}(الأحزاب : 35).

-وهي مساوية له في حق طلب العلم، بل في وجوب طلبه، حيث جعل الرسول صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم)(2)، ويكفي أن نذكر في مقام هذه الشراكة العلمية أمنا عائشة رضي الله عنها التي أخذت نصف الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبزت الرجال في الفتوى والاجتهاد، وشاركت كثير من الصحابيات في رواية السنة وتعليم الناس(3)، وكانت إحداهن تسأله عليه السلام تخصيصهن بيوم يلقاهن فيه، فيوافق عليه السلام(4)…

- والمرأة مساوية للرجل في حق العمل والكسب، حيث قرر سبحانه أنه: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن}(النساء : 32)  وقد كانت السيدة خديجة تشارك في بناء اقتصاد مجتمعها عن طريق التجارة، وكانت صاحبة مال ونفوذ.

وكان من النساء  في زمن النبي من تعمل في الزراعة ، ومن تعمل في الرعي، ومن تعمل في الحياكة والنسيج، ومن تعمل في الصناعات المنزلية، ومن تعمل في إدارة عمل حرفي، ومن تعالج المرضى وتداوي الجرحى(5)…

- وتحقيقا للعدالة الحقة سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الإرث من الوالدين  والأقربين، بعد أن كانت المرأة متاعا يورث: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}(النساء : 8). وجعل ما يرث كل منهما متناسبا مع ما هو ملزم شرعا بانفاقه: {للذكر مثل حظ الانثيين}(النساء : 11).

- وسوى بينهما في المسؤولية القانونية والجنائية، فجعل العقوبات تطبق عليهما على حد سواء: {والسارق والسارقة…}(المائدة : 38) {الزانية والزاني…}(النور : 2).

- وحين ربط بينهما برباط السكن والمودة والرحمة في الزواج، حيث قال: {ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}(الروم : 20)؛ سوى بينهما في المسؤولية عن الرعاية الأسرية؛ فالرجل راع في بيته والمرأة راعية في بيتها . وفي إطار هذه المسؤولية المشتركة تفهم الواجبات، وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل والقدوة في ذلك، فقد سئلت عائشة : “ما كان النبي يصنع في البيت؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله- تعني خدمة أهله- فإذا سمع الأذان خرج”(6)، كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على معاونة المرأة لزوجها في الإنفاق، خصوصا في حالة الفقر، فقال: “لها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة”(7).

- والمرأة أيضا مدعوة للمشاركة في المسؤولية السياسية عن إصلاح المجتمع وتقويمه؛ قال سبحانه: {والمومنون والمومنات بعضهمُ أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر}(التوبة : 72). وبهذا الأصل، ضمن الإسلام للمرأة الحق في المشاركة الفعلية في تسيير الحياة في كل مجالاتها، ومن مختلف مواقع القرار. ولعل تعيين النساء في المجالس العلمية منذ سنة 2004م، تجسيد واضح لهذه الشراكة العلمية والدينية والإصلاحية القائمة بالتصور في القرآن وبالفعل في سيرة السلف الصالح.

- وعلاوة على هذا ، فإن الإسلام ضمن للمرأة الحق في التواصل مع الأمة وقضاياها وليس مع المجتمع فحسب، وذلك حين احتملت المسلمة الأولى مع أخيها الرجل مسؤولية بيعة رسول الله على الالتزام بنصرة الدين، وتعطينا نسيبة بنت كعب المازنية(8) مثالا صادقا في الارتباط بالأمة وفهم أبعاد مسؤولية المبايعة عن العقيدة عند المرأة.

وهكذا تتزاوج  نصوص القرآن ونصوص السنة والسيرة لتعطي صورة مشرقة عن الشراكة القائمة بين الرجل والمرأة، في مجتمع مسلم، تتكامل فيه الأدوار بين الجنسين، وتصان فيه الحقوق وتؤدى الواجبات، وتبرز فيه الخصوصيات، فلم تكن المرأة فيه تشتكي ظلما ولا ميزا ولا تطلب حقا، ولم يكن الرجل فيه مستبدا برأيه، مهيمنا برجولته.

ودارت عجلة الزمان، وشهد التاريخ الإسلامي عبر حقبه، خصوصا بعد التجربة النبوية، انحسارا عطل قاعدة مشاركة النساء في البناء، بسبب البعد تدريجيا عن تعاليم الدين الأصيلة، والتمسك برؤى وأفكار دخيلة أو تقاليد وأعراف فاسدة، أسهمت فيها ظروف مختلفة، اقتصادية واجتماعية وسياسية- وحتى دينية أحيانا- وكان لهذه الظروف أثر في تنزيل النص الديني وتأويله بشكل ضمن -مع مرور الزمن- بعدا حقيقيا عن روح النص وجوهره، وحتى صارت نصوص الدين مصدرا ثانويا بعد نصوص الفهم البشري، وصار الإسلام من حيث وحي إلهي يحاكم بالتجربة التاريخية للمسلمين القابلة للصواب والخطأ. وهذا الواقع أثر على الأوضاع العامة للأمة، ووضع المرأة لا ينفصل عن وضع الأمة، حيث تم حظر تعليم المرأة، وأقبرت مواهبها بدعوى سد الذريعة ومنافذ الفتنة وغواية الشيطان…   وما كان للفهم الخاطئ وما جره من شل لحركة المرأة في الواقع أن يستمر، فارتفعت الأصوات وتضافرت الجهود لتحرير المرأة من قيود الأعراف الفاسدة والأحكام الجائرة، وإشراكها في الحياة العامة، إلا أن ذلك التحرير في جملته لم يتم على شرط الإسلام الصحيح، بل زج بالمرأة في خضم الحياة المعاصرة، وجعلها في أحسن أحوالها سلعة اقتصادية، فكسر بذلك القيم الفاضلة التي تنبني عليها نواة كل المجتمعات، ألا وهي الأسرة.

والمجتمع المغربي أسوة بباقي المجتمعات العربية والإسلامية، عرف تطورات تاريخية وتقلبات اجتماعية تأثرت في كل حقبة من الحقب بمجموعة من العناصر الحضارية والفكرية السائدة، ومنها اجتهادات فقهية هي أقرب إلى الأعراف منها إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجبت سماحة الإسلام ووسطيته واعتداله، وقد كان التراجع الخطير لدور المرأة الاجتماعي نابعا من هذه التقلبات التي همشت هذا الدور، ليصبح مقتصرا على وظيفة الإنجاب وتربية الأبناء.

لكن هل اقتصرت المرأة المغربية على هذا الدور -رغم أهميته وبعده التنموي الخطير- أم ناضلت لاحتلال مواقع أخرى في البناء المجتمعي؟

جواب ذلك من خلال رصد أوضاع المرأة المغربية بين الماضي والحاضر، موضوع العدد القادم إن شاء الله تعالى.

——

(*) شعبة الدراسات الإسلامية، كلية الآداب سايس- فاس.

1- رواه أبو داود في صحيح الجامع الصغير برقم: 2329.

2- صحيح الجامع الصغير لابن ماجة، رقم الحديث/3808. والحديث يشمل الجنسين كما أجمع العلماء.

3- ينظر : المرأة المسلمة في العهد النبوي لإسماعيل الخطيب/ ص7-11.

4- يشهد لذلك ما رواه البخاري في الاعتصام عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه برقم : 7310.

5- يراجع في هذا الباب: تحرير المرأة في عهد الرسالة لعبد الحليم أبوشقة: الأجزاء/  1،2،3.

6- رواه البخاري في كتاب النفقات،عن عائشة- رضي الله عنها-، برقم: 5363.

7- رواه البخاري في الزكاة، عن أبي سعيد الخدري، برقم 1466.

8- ينظر: واجبات المرأة المسلمة ومسؤولياتها لجميلة مصدر/ص 9.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>