افتتاحية – محو الأمية الدينية


أشكال الأمية التي تعرفها شرائح متعددة في المجتمعات الإسلامية متنوعة، لكن أخطرها نوعان :

أولهما : الأمية المتعارف عليها منذ القديم: وهي عدم معرفة القراءة والكتابة،

وثانيهما : الأمية الدينية، وهي جهل الإنسان بأمور دينه: عقيدة وشريعة وفقها، ولعل هذه الأمية أخطر من الأولى لانعكاساتها على الجوانب الفردية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية.

لقد بذلت جهودٌ منذ بداية الاستقلال على المستوى الرسمي وعلى المستوى الجمعوي الشعبي، لمحو أمية القراءة والكتابة، ولكن لا يبدو أفق قريب للقضاء على  هذه الأمية، فما زالت لحد الآن مستفحلة، لعدة أسباب يبدو أن أبرزها ما يتخبط فيه التعليم من انزلاقات، تركت صورة سلبية لدى العديد من أفراد المجتمع المغربي. لكن محو الأمية الدينية لم تبذل فيها جهود، بمقدار ما بُذل في محو أمية القراءة والكتابة، ولذلك طفت على السطح سلوكات لا علاقة لها بالدين، حتى وإن كانت باسمه.

والمتتبع لواقع محو الأمية الدينية، يجد أنها تتجلى بصورة أساسية في :

1- مادة التربية الإسلامية : وهي مادة -كما هو معلوم- تعليمية رسمية. لكن وظيفتها تكاد تكون منعدمة البتة، لأسباب منها :

أ- المعامل المخصص لها مما يدفع التلاميذ إلى تهميشها.

ب- الحجم الهزيل للساعات المخصصة لها.

ج- غياب المدرس القدوة، الذي ينبغي أن يكون أسوة في هذا المجال.

د- إسناد المادة إلى  غير أهلها.

2- دروس الوعظ والإرشاد، وهي دروس عادة تكون في المساجد، مردوديتها ضعيفة أيضا، نظرا لأوقات الإلقاء، وطريقة الأداء، وتشكيك المتلقين في بعض من تسند إليهم هذه المهمة.

3- الجمعيات، ودورها محدود هي الأخرى بسبب ضعف الإمكانات، وانحراف بعضها عن سواء السبيل.

4- الإعلام بوسائله وقنواته المتخصصة المرئية والمسموعة وهي التي ينبغي أن تكون لها الصدارة في هذا الأمر على امتداد العالم بأكمله، لكن الناظر إلى عموم هذه القنوات الناطقة بالعربية التي تلتقط في بلدنا، يجد أن العديد منها ينقصها الاحترافية المهنية، وعقلنة الخطاب، وواقعيته ووسطيته، وفي ظني أن على القناة الوطنية الخاصة بهذا الأمر أن تستجيب لهذه المتطلبات، حتى تربح رهان ثقة المشاهدين والمستمعين، ممن تسيطر عليهم الأمية الدينية، ولا تبقى مقتصرة فقط على من لهم زاد في هذا الباب.

إن الإعلام المرئي أولا، والمسموع ثانيا، والمقروء ثالثا، له الدور الأكبر في إماطة ما لحق بالدين من أذى. وإذا كان الإعلام المتخصص، يشوبه ما يشوبه كما سبق القول، ومطلوب منه أن يكون في المستوى، فإن الإعلام العام غير معفى من المسؤولية، حيث إن الناظر إلى  هذا الإعلام يجده يسهم بشكل كبير في نشر الأمية الدينية، إما بالبرامج الحادة لله ورسوله، وإما بأخرى لاهية عابثة لا تقيم لمبادئ الدين وزنا.

وغير خاف أن محو الأمية الدينية يعود على  الأمة بأرباح طائلة، إذا أنها بعد صون عقيدتها، وتفقيه أفرادها في الدين عملا بقول رسول الله  : >من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين< وتجنب الغلو والإفراط فيه، نجني أرباحا أخرى، حيث إن المتفقه في دينه، يتجنب أمورا عديدة من بينها ما يلي :

- الغش والرشوة والسرقة والكذب.

- تناول المخدرات والمسكرات.

- إيذاء الآخرين قولا وفعلا.

- حب الدنيا والإقبال عليها بشراهة كبيرة.

وفي المقابل فإن تدينه يدفعه إلى العمل بأمور منها ما يلي:

- الصدق والإخلاص في العمل وإتقانه.

- تجنب كل ما يضر بصحته ومجتمعه.

- احترام الآخرين وتقديرهم.

- القناعة والاجتهاد في طلب الحلال.

ومن الأكيد أن هذه الأمور كلها تنعكس إيجابيا على الفرد والمجتمع والدولة، في الصحة، والأمن، والإنتاج، والاقتصاد، والمعاملات. أي أن محو الأمية الدينية أساس متين للنهوض بالمجتمع نهضة شاملة، وعمود ثابت لحب الأوطان والدفاع عنها.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>