“حلال لنا حرام عليكم”


د. صالحة رحوتي

لماذا لدولة إسرائيل الدينية “كامل الشرعية” لاجتثاث حركة المقاومة الإسلامية؟

وتحدث من تجرأ وفتح فاه من المسؤولين العرب محذرا من العواقب للانتفاضة ضد القهر في غزة، ومذكرا أيضا بأنه كان طيلة الوقت المحذر منها تلك العواقب،لكن للأسف ما منهم من أحد أولائك “المتنطعين السذج” كان الرشيد وأصاخ السمح واستوعب النصيحة…

إسرائيل موجودة ومعترف بها… متجبرة متغطرسة تملي الشروط وتضع القوانين…تُبعد من  تريد وتأوي إليها من تشاء… هي ذي الحقائق “واضحة ناصعة” يريد السياسيون و”المثقفون” عندنا أن ما تغيب عن أنظار الجميع، وإلا فهي البلادة وبساطة الفكر وعدم القدرة على استشراف المستقبل…

يرون الأخطار عاتية أمواجها وتعن المزمجرة يجب تلافيها، وذلك كلما كان هنالك السلوك يتسبب في تشنج تلك المستقرة عنفا بين ظهرانينا وفي عمق عمق أراضينا…

فلها الحق في أن تعيش بسلام وأمان… وليذهب السلام المؤمل فيه من طرف أصحاب الأرض إلى الجحيم…

عليهم أن يقنعوا بالفتات وحتى حين فقط،أولائك الذين شردوا وانتُهكت حرمات ديارهم واستُوطن فيها غصبا من قبل أغراب كانوا قبل سنوات الشتات مشردين تائهين…

هذا ما يراد منهم… وأن يكونوا أيضا اللطفاء الطيبين الشاكرين أن مُنَّ عليهم بقطعة أرض…سجن كبير “يستلذون” فيه طعم جوعهم،و”يستمرؤون” في جنباته آلام أجسادهم، وحتى “ينعمون” في مساحاته بالحلكة تخيم على لياليهم…

عليهم أن يكونوا الصابرين… أويكونوا التابعين… ثم ويلغوا مبادئهم وتعاليم دينهم ويلقوا بها قرابين على مذبح الخضوع للذين لا يصولون ويجولون في تلك الديار إلا لأنهم ما فرطوا في ذرة منه ذلك الدين، الذي وقرت في قلوبهم المعاني المضمنة في أسفاره، ثم وما يريدون عن التشبع بها وتطبيقها وإظهارها أمام العالم كله من بديل…

أتوا هم الغاصبون استجابة لنداء الدين وبهدف إقامة الدولة الدينية… وعملوا من أجل ذلك دون هوادة وحققوا مآربهم… ثم وصرحوا بأنها اليهودية دولتهم ولا مكان فيها لغير المؤمنين بالتوراة والعهد القديم…وهم في نفس الوقت من يحرم على المسلمين بالقرب منهم أن تكون لهم نفس الرؤية، ويرفضون منهم أن يتوسلوا نفس الوسيلة، ويرون أن لهم الحق في الحيلولة بينهم وبين أن يسلكوا نفس السبيل سلكوه هم… أي إقامة كيان على أسس دين ارتضوه لأنفسهم وقبلوا به منهجا، ويمكنهم من حيازة أمن وسلام في دنياهم وأجر ورضا رب يؤمنون به في أخراهم.

ازدواجية… وليست المستغربة ممن استداموا النفاق وألفوا الغطرسة والاستحباب للنفس ما لا يمكن أن يُقبل من الغير… لكن العجب العجاب أن تنال تلك الازدواجية المقيتة الرضا منا حتى ما يعود من استهجان لها في النفوس لدينا، وحتى نصبح أول المنددين بالرافضين لها،أولائك المنادون بالحق في فعل الفعل ذاته تحقيقا للمساواة بين الناس، وتطبيقا للزخم من المبادئ الإنسانية لا يفتأ يُثرثر حولها على كل المنابر في كل حين وآن…

فهم “المجرمون” من أرادوا الصمود على مبادئ دينهم… هذا ما يُصرح به عندنا… وهم “المتطرفون” من رفضوا الاستكانة للعدو شردهم واستباح كرامتهم…هذا ما يُكتب ويقال من طرف الساسة و”المثقفين” في ديارنا…وهم “الإرهابيون” من طالبوا باليسير مما لذلك العدو من حقوق أنيلت له واعترف له بها بالإجماع دون البشرية جمعاء، ويُنسى أن هذا الموقف ما هوالاعتراف من قبلنا بأن الشعب اليهودي هو”الشعب المختار” مُيز علينا وعلى سائر الخلق والناس أجمعين…

تعيش “السلطة” الفلسطينية محتمية بكنف الدولة الدينية اليهودية إسرائيل…وترفع عقيرتها بالصراخ لأنها ترى بأن حماس تريد إقامة الدولة الدينية في غزة!! ثم ويهب الجميع للمساعدة، ويتنافس الكل في رفع الأصوات من أجل شجب إقامة دولة “التطرف” وكيان “الإرهاب”… ومن أجل استجداء العون من الغرب ومن إسرائيل -الكيان الديني- نفسها  للتضييق على أولائك الرافضين للتطبيع، وغير المتاجرين بالمبادئ المتشبثين بالدين،وذلك بهدف القضاء عليهم وإبادة آثارهم.

فلماذا لم تكن ردة الفعل نفسها ولم يكثر الزعيق حين طالب الساسة اليهود غير اليهود بالرحيل من إسرائيل تكريسا لمفهوم الدولة الدينية…؟؟

تحدثت بهذا تسيبي ليفني قبيل أسابيع…وقالت:

” إن “الحل الذي أدعو إليه من أجل الحفاظ على الطابع اليهودي والديمقراطي لإسرائيل هوإنشاء كيانين وطنيين منفصلين”(1).

وأضافت في كلام بثته إذاعة الجيش الإسرائيلي:

” إنه بعد إنشاء الدولة الفلسطينية “يمكننا أن نقول للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين ندعوهم عرب إسرائيل، إن الحل لتطلعاتكم الوطنية موجود في مكان آخر”(1).

هو الحفاظ على الطابع اليهودي إذا كما نطقت بذلك…وقد قيل هذا الكلام أمام تلامذة يافعين… فما كان من التقدميين والحداثيين منا من أنكر وذكر أن هذا من قبيل ترسيخ التطرف، ولا كان من تحدث عن إذكاء جذوة الإرهاب والعنف في قلوب الشباب هنالك حيث تعم “الديمقراطية” التي يسير بذكرها الركبان :

“وجاءت تصريحات ليفني في حديث لها أمام تلاميذ إسرائيليين عن تصورها لحل النزاع العربي الإسرائيلي.”(1).

بل كان هنالك فقط ـ وباستمرار ـ إصرار بليغ على تجريم من أرادوا الحفاظ على الهوية من الفلسطينيين، وحرص قوي متناسل الأبعاد على معاقبة النائين بأنفسهم عن الانذلاق على أعتاب العدو الغاشم…

حصار مشين وما رُضي من طرف بني يعرب إلا بأعلى الدرجات القاتلة منه… وحرمان مركس وما قُبل من طرف “الأشقاء”إلا بأرفع المراتب من تبعاته… وتواطؤ من طرف الكل مذل مظهر للخوف وللرعب شَلاَّ كل القدرات، وما ترك من شذرات كرامة يمكن أن يسمح التوفر عليها بالانتماء إلى البشرية حتى بعيدا عن الانتساب إلى الحضارة والمتحضرين.

يطمع الموجودون على رأس هرم السلطة في فلسطين في نيل رضا إسرائيل وعرابها شرطي العالم أمريكا بارتكاب كل تلك المخازي وباقتراف كل تلك الجرائم والجنايات، مقايضين عزة النفس بدوام التواجد في مراكز القرار، ومستبدلين الحرية الحقة باستمرارية التربع على كراسي النفوذ تحت نير التبعية والاستعباد، وما علموا أنهم مجرد البيادق تستعمل من أجل استكمال اللعبة، ثم وسيقذف بها بعيدا عن محيط دولة “الطهر والإيمان” يبنى صرحها بأيدي يهودية “مؤمنة” لن تستسيغ آنذاك أن تمتد لتصافح أيدي مدنسة لعلمانيين مرتزقة خائنين.

——-

1 ـ جريدة العرب الأسبوعي العدد 186.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>