حبيبتي “راشيل كوري كيف أضعناك؟؟”


قدر رباني عجيب لن أستطيع أن أصف لك قارئي كنهه، قذف في أذني بصوت شجي، لفتى بالمسجد المجاور لي، وهو يرتل آيات من الذكر الحكيم، في نفس اللحظة التي  نزف فيها  قلبي صديدا ومرارات، وأنا أستعرض مقتل الصبية الأمريكية الحسناء راشيل كوري على يد  جرافة صهيونية، وهي تقف في وجه العدوان الإسرائيلي الهمجي الذي كانت آليته العسكرية البربرية تنفذ عملية تجريف للبيوت الفلسطينية، وكان مقتلها يوم 16 من هذا الشهر، شهر مارس.

خيل لي، بل اعتراني يقين شبه مطلق، أن صوت القرآن من الجامع المغربي كان يؤبن الصبية الفدائية، التي ضحت بالعيش الرغيد في بيت أبويها بأمريكا بل وزهدت في شهادتها بجامعة كولومبيا، وخطيب كان ينتظر عودتها لعقد القران، فجادت بالروح الغضة، إذ جاءت إلى البيوت الفلسطينية الخربة لتقف هي ومجموعة من أصدقائها الغربيين القلائل المنتمين “لجمعية التضامن الدولي”، أمام آلة أسطورية من الطغيان والجبروت. حقا يضع المولى سبحانه سره في أضعف خلقه ..

ووجدتني في وثبة تساؤلية سيحسبها البعض بلاهة، وسيقرؤها الراسخون في استقراء المشاعر: صدقا وسمو أحاسيس مكلومة، أقول وجدتني أسأل صديقتي بقلق دفين هل تحسب راشيل عند الله شهيدة، فأجابتني ببرود محايد أن لا، وأنها مسيحية..  ووجدتني مرة أخرى أقفز على أجوبة كنت أرفض أن أستقبلها في مشاعري الباطنية، أنا التي لم يخامرني لحظة واحدة أن أتوقف عند ديانتها مسيحية كانت أو يهودية، وأنا أراها بهذا الحب الأسطوري للحق الفلسطيني حد الموت، تستلقي تحت الجرافة لتمزقها بلا أدنى تردد.. ولو لم يقدر عليها سبحانه الموت، ولقيتها في مساحة جغرافية ما، لركضت إليها باكية معتذرة، ولأشبعتها تقبيلا  لهذا الرأس العظيم الذي قبل، في لحظة تعاطف لا وصف له مع شعبنا الفلسطيني،أن يهب نفسه  فداءا، لتهشمه آلة الدمار الشامل الحقيقية في الوقت الذي يطلع فيه علينا قهرمانات حقوق الإنسان بواشنطن بتقارير عن حقوق الإنسان في العالم العربي الإسلامي!! تضع كالعادة على قمة المسيئين لهذه الحقوق : سوريا والسودان وإيران.. أما قتلة الرضع والشيب والشباب وقتلة مناضلة مسالمة لا علاقة لها بعنف ولا إرهاب فهؤلاء رفع عنهم القلم و الكلام، بل ومن حقهم حتى جوائز السلام!!..

وخلال هذا الأسبوع صادف أن قرأت في جريدة إسلامية بركن من أركانها الخاص بمشاكل الناس،  مشكلا لسيدة تسأل إن كان بإمكانها مخالفة زوجها والخروج للعمل، وهي ذات مستوى عال، علما أن زوجها اشترط عليها عند قرانهما أن لا تعمل، وهي قبلت شرطه كما تقول في رسالتها، من منطلق حب،  والآن  هي ضجرة من الجلوس في البيت فماذا تعمل؟!

المجيب الكريم ذكرها بوجوب حسن التبعل، والدور العظيم للمرأة داخل بيتها لأبنائها، وهي التي قالت أن هناك وقتا فائضا  يتبقى لها بعد مغادرة زوجها وأبنائها للبيت. ولأكون صادقة أنا الشبيهة بمرجل يغلي، مادامت أمتي ترزح تحت نير المهانة،  فقد أصابتني خيبة جارفة من السيد الناصح، ألم يكن بإمكانه أن ينصحها بالانصراف عن هوس “المانضة” وعقدة  “الشهرية” إلى هوس بناء الأمة خاصة أن زوج السائلة كما تقول ميسور؟!! ولا يعوزها المال. ألم يكن من العاجل أن ينتهز  هذا الناصح فرصة العثور على طاقة نسائية معطلة ليجندها للتو، فيخبرها بتاريخ نسائنا الفضليات المهاجرات إلى الحبشة، اللواتي قطعن مياه البحر الأحمر ليدخلن إلى قارة أخرى غير القارة الآسيوية وهي القارة الإفريقية!!، وغيرهن كثيرات  من النساء العالمات والمتفقهات في دينهن واللواتي يذكر التاريخ الماجد أنهن كن مفقهات لعلماء كبار درسوا العلم على أيديهن؟!. ما الذي أصاب هذه الأمة التي تنكبت عن طريق الدعوة وزجت بالمرأة في المربع الضيق مربع الأوقات الهنيئة، لا أوقات إذلال وعض الأمة من كل ركن وجانب؟

ألم يكن لنساء الصحابة أزواج وأبناء، ومع ذلك كان لهن وقت للبيت ووقت للعلم ووقت للأمة؟؟.

نعم تصنع الحضارة والنصرة انطلاقا من البيوت، الرسالية الداخل، لكن هذا الفضل لا يمنع الفضل الأوسع فضل مد خير الدعوة إلى الآخرين..

لماذا تهاجر راشيل كوري إلى رفح لتقف مع الشعب الفلسطيني الأعزل وتموت تحت البلدوزر بكل فدائية وتظل بعض نسائنا يتساءلن عن الوقت الميت وضرورة استثماره المادي! للخروج من الضجر، خاصة إذا كان الرجل قواما مدركا لحقوق من يعول وعلى رأسهم الزوجة..

لماذا لا تكون هناك حركة دعوية موجهة للنساء الجالسات في البيوت تعلمهن كيف يتواصلن مع العالم الخارجي للتعريف بديننا

وتحضرني في السياق، نكتة سوداء  كان بطلها أحد الدعاة الكبار من جماعة التبليغ وقد سمع خطيبا في مسجد عامر يدعو على الكفار ويقول : اللهم دمرهم عددا ولا تغادر فيهم أحدا اللهم اخذل من خذل المسلمين  فصاح الداعية الحكيم بغضب : توقف يا هذا ومن خذل المسلمين غير المسلمين  (خاصة وأن الداعية كان يعرف أن الخطيب الضيق النظر، كان يوجه نير دعواته للكفار فحسب، دون أبناء جلدتنا)؟؟؟!!

أَدَعُكُم إخوتي لتتدبروا في هذه الكلمات الحكيمة ذات المعاني العميقة، النافذة، حتى حلقة قادمة سأحدثكم فيها عن بعض من الثمن الفادح لتراخي ثلة منا عن نصرة ديننا بهمة تشبه همة الراحلة الحاضرة أبدا راشيل كوري..

وإن بعد المزار،  فإني إذا سمحتم إخوتي، سأتوقف قليلا عند قبرها، وسأضع إكليل ورد وريحان عند الشاهدة، وأقول لها بكل الامتنان : شكرا راشيل فقد علمتنني أن الثأر للحق والثورة على الظلم والرحمة للعالمين، توحد المسلم والمسيحي واليهودي، الرافضين للمظالم في أي مكان كانت من العالم، وتلك هي روح الإسلام التي أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حلف الفضول جنبا إلى جنب مع الكفار لنصرة المظلومين، وجعلت الناس يدخلون إلى الإسلام أفواجا، ولوعرفت راشيل كوري هذا الدين العظيم قي مضامينه الإنقاذية للعالم من أشراره وقساته لما ترددت في اعتناقه..فكيف تشكو نساؤنا من الضجر..والطيبون الأخيار يموتون بعيدا عن هذا الخير العظيم؟؟..

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>