تجليات {اقرأ} في حياة الأمة،الواقع والآفاق 2/2


 

نرى بأن عملية القراءة التحريرية يجب أن تنصب على جانبين :

ا- العمل على الخروج من تحديات السقوط والتخلف والتبعية والتواكل. وتزويد الناس بالشحنات العملية التي تدفعهم للقراءة الواعية المواكبة للعمل الجاد، لأن درجات الانفعال والارتجال في النظر إلى القضايا المصيرية، سواء كانت فردية أو جماعية على مستوى الأمة، أكثر بكثير من درجات القراءة والعمل الواعي المنظم. ولا يمكن أن ننتظر من الأمة المشاركة والتفاعل والعمل إذا لم نقدم لها نماذج إيجابية من تراثها المضيء يمكن تمثلها في واقعها المحبط، وبرامج عملية يمكن تطبيقها لإخراجها من مشكلاتها وأزماتها. فمثلا يجب الانكباب على تخليص الشباب وطاقاتهم في المجتمعات الإسلامية من حالات الإحباط التي تمتص قدراتهم، وتسقطهم في مستنقعات العجز والشلل، وتقديم حلول واقعية لمشكلاتهم الاجتماعية، كي تثمر مستويات قراءاتهم، وتنمو درجات أدائهم الإنتاجي . إن تنمية الإرادات الجادة والمخلصة تجعل كل مسلم يعمل بمثابرة وجهاد وإحسان في موقعه الذي يوجد فيه، كيفما كانت بساطة هذا الموقع  أو خطورته. يقول تعالى : {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}(الملك : 2)، لأن تحسين الأعمال مهما صغرت إذا عمت في الأمة، أصبحت  أنهارا جارفة تغسل أدران الفساد والانحطاط، وتزود العاملين المحسنين بمكونات النهوض بالأمة وتغييرها والارتقاء بها. وموت أو حياة أي حضارة نتيجة طبيعية لدرجات الإحسان في عملها. ومن هذا المنطلق يمكن لنا أن نستقطب المتخصصين من أبنائنا، القادرين على العطاء الجيد، والذين نتوقع منهم أيضا أن يكونوا متخصصين، لا في الفقه والعقيدة ولا في القضايا الإسلامية البحتة فقط، ولكنهم متخصصون في مجالات أخرى، في الاقتصاد و في السياسة، وفي الاجتماع.. هؤلاء يمكن أن نطلق يدهم، ونجعل هناك نوعا من اللقاءات المستمرة بينهم وبين المتخصصين في القضايا الإسلامية لكي نملأ الفراغ، فلم تعد هناك إمكانية في وقتنا الحاضر أن يكون عالم الدين -كما كان في العهود السابقة- موسوعيا، ملحمة ثقافية، يفهم في الاقتصاد، وفي الفلك وفي الحشرات، وفي أمور الدنيا والدين.. لم يعد هذا ممكنا الآن، فقد تفتت العلم فأصبح لكل جزء منه متخصص، ولا بد لكل واحد من هؤلاء المتخصصين أن يدلي بدلوه في مجال تخصصه، ويترك بعد ذلك لعلماء الدين أن يقولوا : هنا خطوط حمراء فلا تتعدوها، وما وراء ذلك فافعلوا ما شئتم”(1) إذا أردنا أن ندفع عجلة النهوض بهذه الأمة.

> ب – مجابهة الفكر الغربي : كان الاستغراق في مدح التراث والتعلق بأذياله واجهة تعصم المتعلق من مواجهة ذاته، ومجابهة الفكر الغربي الذي يدفع الأمة إلى التنصل من تراثها وعقيدتها وقيمها. فبدلا من أن يكون التراث لهؤلاء دافعا للأمام بوصفه المثال الواقعي على تلاحم العلم والعقل والإيمان، وبذرة من بذرات التصحيح والنقد البناء، أصبح انتكاسة إلى الوراء، وظاهرة مرضية يجب  علاجها. ولذلك فكثيرا ما يقع تناسي أن أئمتنا السابقين ما استطاعوا خوض المعارك مع التيارات الفكرية الضالة إلا بدراسة عشرات الكتب المتعلقة بأفكار خصوم عصرهم والعصور التي سبقتها(2). وقراءتها قراءة متحررة من أي مرجعية سوى مصدري التشريع : القرآن والسنة، رغم استفادتهم من ثقافة الأمم الأخرى، وخبراتهم.

ومن جهة أخرى فإن الدعوات المتكررة لنبذ التراث، وتبني الفكر الغربي بصورة مطلقة، وقراءته انطلاقا من التصور الغربي قَوَّتْ من عوامل الانحراف، وشوهت فكر الأمة، وانعطفت به نحو الركون والاستسلام، والشعور بالنقص والضعف.

كما أن عمليات التوفيق أو التلفيق بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي ولدت أجنة مشوهة أبعدت المسلمين عن مقاصد دينهم، وألبست تدينهم صبغات شتى، وأبعدتهم عن قضاياهم المصيرية. وما أحوج واقعنا إلى تحرير الأمة من الفكر التلفيقي وتعرية أبعاده، وكشف معوقاته التي زادت من ثقل التبعية.

ويمكن أن نضيف هنا علاقة المنهج الاستقرائي الإسلامي بفعل “اقرأ” الذي استمد أصوله من الدعوة القرآنية للكشف عن سنن الحياة ونواميس الكون والإنسان.

يقول تعالى : {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}(البقرة : 143). الشهادة تكون للإنسان الحضاري الفاعل، الذي يؤدي دور الخلافة، وليس المنزوي في أذيال التاريخ والزمن.

———

1- المسلمون من التكديس إلى الإبداع الحضاري. محمد محمد سفر. ضمن كتاب : فقه الدعوة، ملامح وآفاق. ص 158- 159 سلسلة كتاب الأمة.

2- انطر : أهمية الدراسة العميقة للتيارات الفكرية الغربية ونقدها. محمد ابراهيم مبروك. مجلة البيان. العدد 200.س.19. 2004. ص121-122.

دة. أم سلمى  souad@umusalma.net

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>