بيست الخاتمة : ديــما  ديــما  راجــا  


 

آخر الأنباء من البيضاء

انتهت المباراة الكروية الفاصلة بين الجنة والنار !..بين الوجود والعدم، بعد أن فعلت التغطيات التلفزية فعلها في نفوس الذين حجوا من الرباط صحبة فريق الجيش الملكي إلى ملعب الخضر البيضاوي، حيث نقلت لنا الكاميرا التلفزية يوما قبل انطلاق المباراة إياها، شهادات سعار مبيت ردده مشجعو الرجاء البيضاوي والجيش الملكي. وإذ وقعت الواقعة وانتصر الفريق الرباطي،هاج السيل البيضاوي، ودك ردم السد، وانطلقت سيول يأجوج ومأجوج، تعيث تخريبا ودمارا في المرافق الرياضية، حيث نقلت الصحف وقائع فوضى يشيب لها الولدان ! فقد أقدم المشجعون البيضاويون المهزومون، على تكسير المئات إن لم نقل الآلاف من كراسي المركب الرياضي الذي أقيمت فيه المباراة بالبيضاء، وأتلفوا مرافق عمومية كثيرة،سواء داخل المركب أو وهم في طريق العودة إلى بيوتهم، ويكفي القول في هذه الهمجية المرعبة إن فترة انطلاق هذه النوعية السجالية من المباريات تعرف انحسارا إن لم نقل جمودا شبه تام لحركة النقل العمومي وسيارات الخواص لما يصيبها من تلف أكيد لدى انتهاء هذه المباريات، سواءكانت نتائجها إيجابية أم سلبية، الشيء الذي يذكر بظاهرة ” الهوليكانز” الغربية المصدر والتي غدت تشكل جزءا من التركيبة النفسية للجماهير الكروية العربية المسلمة والمغربية أحد أنشط عناصرها في هذا المضمار !!

فكيف تسربت هذه العقلية التخريبية إلى أبنائنا المسلمين يا حسرة لتجعل منهم كوموندوهات عنف وإرهاب جاهزة للإتلاف أينما حلت وارتحلت واللي دوا يرعف !، إرهاب لاتعني فضائحه، أمريكا المشغولة بالإرهاب الآخر، ذلك  الذي يحرمها نعمة الغاز العربي الإسلامي ومشتقاته ؟!!

نحن في عطلة، لا داعي للقلق

لعل أهم المحطات التي تشي باستحكام العقلية التخريبية لدى أبنائنا، هي المحطة الصيفية محطة الشعار الشهير ” نحن في عطلة فلا داعي للقلق “.. ومن أراد أن  يقف على مظاهر مقلقة في حلقة تفشي هذه العقلية التخريبية، عليه فقط أن يجشم نفسه عناء الوقوف عند محطات الحافلات التي تقل ركابها إلى شواطئ مدينة ساحلية كالبيضاء، وليتأمل لوحة القيامة الصغرى أمام باب الركوب، حيث العنف والعنف المضاد، يعطب أعضاء الأجسام السائبة ويسيل الدماء الفوارة، ويكسر زجاج النوافذ الـمتبقي، ولا حاجة للبحث وسط هذا الهرج والهياج المرعب عن عجوز ما، أو عينات نسائية محترمة، فحلبة الاقتتال لصعود الحافلة النحسة ليست تضم غير الفتوات، إضافة إلى ذوي الحزم والعزم على الاستجمام ولو على جثثهم !.

أما إذا وجدت نفسك قارئي داخل الحافلة إياها بقدرة قادر، فأولى لك ثم أولى، أن تنطق بالشهادة لأن من يركبها مفقود ومن تلفظه بسلام وبدون خسائر من أحشائها،مولود !!، ولا غرابة،  فالأمر بداخلها أشبه بعملية سطو وتهريب، تقود فيه عملية التهريب عصابات مافيا على الطريقة الإيطالية !

ولا داعي للحديث  عن الدور المخزني الغائب في هذه النوازل لأن طاقة العنف التي تنفجر من هذه الموارد البشرية، المضيعة من طرف المسؤولين عنها صغيرة، المضيعة لوطنها وهي يافعة، أكبر من أن تنفع فيها المقاربة الأمنية المحدودة، مقاربة ومـمـارسة..

فإذا حملتك قدماك إلى حيث تصطاف هذه الأفواج البشرية المتلاطمة، فستجد نفسك بمزابل مفتوحة والسلام !!، أما إذا أحوجك جسمك إلى دورات المياه الملحقة بالشاطئ، فسينقلب إليك البصر حتما باكيا وهو كسير.. حنفيات معطوبة وجدران مشققة كابية تنوء تحت ثقل الكلام البذيء وفضلات عائمة في كل الجوانب..ولا عجب إن لحقت ثرواتنا الغابوية هي الأخرى  شظايا هذه السادية التخريبية.. فكيف تستحكم هذه العقلية التخريبية في دواخل أبنائنا ؟..

نحن في عطلة،

نعم هناك داع للقلق

إن بعض الذينيؤثثون الفضاء الخاص وأعني به المنـزلي، والفضاء العام بكل أطيافه، من الذين استرعاهم الله هذه الطاقات التائهة هم الذين يستنبتون بداخل أبنائنا كل هذه العدوانية. ولو أن كل الذين يساهمون في تشكيل وقولبة عقلية وقلوب أبنائنا، استحضروا حجم مسؤولياتهم العظمى أمام الله سبحانه عن هذا البناء الحضاري الرسالي،  لعباد الله والحاسم في تحقيق اٌلإقلاع أو تأبيد النكوص لاستحالت شوارعنا إلى فسحات مضيئة، ومرافقنا ومن بينها حافلاتنا المنذلقة أمعاء كراسيها المليئة ثقوبا وكأن ركابها من فصيلة القوارض، نقول لانقلبت الحافلات إلى مرافئ للسكينة المتحركة !

إن العقلية الاحتفالية عقلية (الكاميرا شاعلا)، العقلية التي تصر على أن تجعل من الصيف فصلا للموت الإكلينيكي، الدماغي والقلبي للمواطنين، وخاصة منهم الشباب بتهافتها على المهرجانات بالجملة حتى غدا لكل مدينة مهرجان تنتعش فيه ثقافة (النشاط) الذي يحيل على الزعيق والدردكة والركل والنط والجذبة  تحت شعار( الجاوي يا صلبان اللي فيه الحال يبان) !!!، هذا المفهوم الاستبلادي للمواطن الذي يقتل فيه كل النفخـة الروحية ويدفعه إلى  انـتحال صفـة، ( الصـيـاعة) لمدة ثلاثة أشهر، ليس من شأنه إلا أن يوقظ شياطين التخريب والعنف والبهائمية بداخله، فليست تعمر قلبه إلا مشاعر الأثرة وحب الذات،   والآخرون هم الطوفان كما قال الفيلسوف الفرنسي سارتر.

إن الذين يروجون لمفهوم نحن في عطلة لا داعي للقلق هم الذين يجب أن يحشروا في تلك الحافلات المهربة بين الشواطئ، سواءكانوا آباء أو مسؤولين من كل الأصناف، ليعلموا إلى  أي حد ساهموا في إنتاج  مخلوقات شوهاء لا علاقة لها بأمانة الاستخلاف والإعمار الراشد للأرض ولا بالتنمية ولا بالمواطنة…

ومن العاجل أن تتم محاصرة هذه العقليات العدمية الانتحارية بوضعها على سكة الإحساس بجسامة دورها في بناء الوطن والحفاظ على نعمه وعلى آياته الكونية الربانية الإعجاز، والسعي لجعل العطل محطات استجمام راشد واستراحة مسؤولة تقيم أعطاب سنة انقضت وتبني تصورا ومنهجية أكثر نجاعة واستقامة من أجل حصاد مستقبلي، يحيي الأنفس بعد موتها ويجنبها العبث والمجانية… وليعلم الذين يستهينون بما يقع من خراب  تصلهم شظاياه، أنه من عند أنفسهم كما يقول الله سبحانه وتعالى. قال أحد الأبرار: ( إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي ).

وقد كان بودي أن يكون الختم مسكا إلا أن الحكاية التالية، لما لها من تبعات أليمة تضعنا جميعا موضع تهمة، جعلتني أدرجها في نهاية هذه المقالة،  ففيها من المواعظ الكثير..

تقول الحكاية وهي بالمناسبة واقعية، إن أحد محبي الرجاء البيضاوي، داهمه الموت على هامش هزيمة الفريق التي تكلمنا عنها آنفا،  وأراد إخوانه من الحضور في لحظة احتضاره أن يلقنوه الشهادة لكنه ظل يردد : ديـمــا ديـمـا رجاء، حتى أسلم الروح إلى الرقيب العتيد الأكبر. وفي تشخيص هذا الحال المؤسف يقول ابن قيم الجوزية  في كتابه العجيب : الجواب الكافي

- وهذا كله من أثر الذنوب والمعاصي كمن له جند يدفعون عنه الأعداء فأهمل جنده وضيعهم وأضعفهم وقطع أخبارهم ثم أراد منهم عند هجوم العدو عليه أن يستفرغوا وسعهم في الدفع عنه بغير قوة، هذا وثم أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال فربما تعذر عليه النطق بالشهادة حتى قيل لبعضهم قل لا لإله إلا الله فجعل يهذي بالغناء ويقول : تاتنا تنتتا حتى قضى..ويقول  ابن القيم إن” بعض التجار أخبره عن قرابة له احتضر.. وجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، وهو يقول : هذه القطعة رخيصة،  هذا مشتر جيد، هذا كذا حتى قضى ” ص 91..

فهل نعي جميعا أننا مسؤولون عن هذا المصير وهذه النهاية الفاجعة لهذا الشاب.. هل استحضرناقوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}.

وبالتالي ألسنا في حاجة إلى عطلة قلقة، مسؤولة قليلا، من أجل بناء جيل راشد تعتمد العطلة في تصوره وسلوكه قوله سبحانه : { وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين }.

وسنتوقف في حلقة قادمة بإذن الله أمام صور ربانية لعطلة راشدة مريحة ونافعة بحول الله، ولله الحمد من قبل ومن بعد.

ذة.فوزية حجبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>