أم محمد ….امرأة …أقوى من أمريكا


من دوحة الإسلام تجيء ….

بنفحاته العطرة تهتدي ….

وعلى تعاليمه تربت …وتربي ….

هي أم محمد …..زوجة الشهيد عبد العزيزالرنتيسي …

نصف ساعة قضيناها معها …أمام شاشة العربية يوم الثلاثاء 28 صفر الخير الماضي لنتعرف عن كثب إلى سيدة عظيمة وأي سيدة هي نصف ساعة قضيناها داخل مدرستها تفضل عندي كل سنوات عمري التي أمضيتها في الدرس والتحصيل !.

بدت عظيمة في ثباتها، وكأنها ليست المرأة التي فقدت رفيق دربها قبل أربعة أيام فقط، جلست أمام الكاميرا .لم يتململ فيها عضو , ولم يطرف لها جفن , ولم تشر بكف …ولم يبدعليها أثر لحزن أو انفعال …وصرفت كلاما بميزان الذهب , ودررا لا ككل الدرر .. كان كل لفظ من ألفاظها درسا وموعظة وتوجيها , أي امرأة عظيمة هي ؟ وهي المفجوعة المكلومة القادمة من صحارى الترمل والقهر والحرمان ! تقول في ثقة المؤمنة الثابتة : ” ما أصابني ما كان ليخطئني وما أخطأني ما كان ليصيبني …أحمد الله …كل شيء بمشيئة الله ….الموت نهاية كل حي … وماذا بعد ؟ لقد جهزت نفسي لاستقبال المهنئين…”

سيدة تقطع مع زوجها رحلة واحد وثلاثين عاما تثمر ستة أبناء وأحفادا …وتتسلح بكل هذا الجلد عند فراق الأليف لان لله في نفسها مقاما يفوق مقام الأليف الحبيب …

سيدة يغيب عنها زوجها وقلما يحضر لأسباب أمنية لأن للوحوش مخالب فاتكة وأعينا عميلة راصدة وتعلن في شموخ بأنها تحتسب انقطاعه عن البيت عند الله …

وأن الاتصال القائم بينها وبين الله يقويها في غياب الزوج الحبيب .

ويسألها الصحفي عن طبيعة تعامل الزوج مع الأهل فتجيبه جوابا فصلا موجزا بليغا بنص آية معجزة ذلك أن زوجها كان من قوم : {أذلة على المومنين أعزة على الكافرين}.

ويحاول الصحفي بدافع الفضول أن يكتشف بعض خصوصيات هذه العلاقة الزوجية ليسألها عن نفسها باعتبارها المرأة التي وقفت وراء شخصية الرنتيسي … وتنهمر الدموع من أعيننا تأثرا وإكبارا حينما تفاجئنا بقولها في تواضع وصدق : “يجب أن نحفظ لذوي الحقوق حقوقهم … إن المرأة العظيمة التي كانت وراء هذا الرجل هي أمه -رحمها الله- التي ترملت شابة وربت وخرجت عظماء الرجال …””.

يا الله ! كم رفعتني كلمات هذه المرأة من تخوم تخوم الأرض الى الآفاق وشدتني الى عالم آخر . عالم من السمو والمثاليات …عالم افتقدناه ولم نعد نجد له أثرا إلا في القرآن الكريم والسنة النبوية الغراء … حلق بي كلام هذه السيدة ليسمو بي عن واقع مهترئ حيث الكراهية والحقد والضغينة هي العملة الرائجة بين الكنة وأم زوجها وأهله … وحيث تشحن النفوس وتوغر الصدور وتتقطع الأرحام للفظ واحد لا وزن له عند الله … ولا فوق ألسنة الناس “.

زوجة الرنتيسي تبدو أمامي طودا شامخا وهي توطن العزم على مواصلة السير في ذلك الطريق الذي تعرف أنه منذ القديم ليس مفروشا بالورود !  وهي ما تزال ثابتة على عهد الله وعهد الشعب وعهد الأليف الحبيب … الشهيد …

لا أخفي أنني وجدت نفسي ضئيلة أمام هذه المرأة ،تلميذة غرا في مدرستها -لويرضى عني ربي- ولمحت في مرآتها النضيدة …الوجوه النقيضة لكثير من النساء اللواتي ينفقن زهرة الوقت في سفاسف الأمور بين الازياء والاثاث والحلي والطبيخ … وفي لغة التفاخر والتكاثر والتباهي والصراع مع الآخر بمنطق التفوق والغلبة والتكالب على الدنيا والغاء الآخرة من الحساب ! صورتان متناقضتان لجوهر الحضارة الراقية والانحدار الحقيقي …

ولا أخفي أنه كان بالقلب جمرتان من استشهاد الشيخ احمد ياسين ثم الشيخ الرنتيسي ….وكادت الأرض تضيق بي من شعوري بالهوان وغلبة الامم علينا لولا أن ام محمد وهي المفجوعة المكلومة لامست بأناملها الوضيئة مجامع قلبي لتعيدني -بتفويض رباني- الى الجادة .. وتقوي شكيمتي .

ولا أخفي ايضا ما أحسسته من صغار وذل وفينا من لا يميز بين (ارييل صابون) و(ارييل شارون) وماز ال فينا من يطارد القصيدة الصادقة والخطبة المؤمنة و(الهيدورة) البريئة … ويضع غطاء الرأس في قفص الاتهام …ثم لا يستطيع ان يقول (لا) للصليبية الحاقدة و للامبريالية الفاجرة وللصهيونية المتوحشة … وللعلمانية المتربصة.

وها هي هذه المرأة تشكل قوة دفع … وتتفوق على الرجال والنساء لسبب واحد لأنها متوضئة بنفحات الاسلام العطرة مغسولة بنهره الخالد ..

هذه أم محمد …زوجة الرنتيسي …العروس التي لا تليق إلا بالشهيد…والأم التي لا تربي الا أبناء الشهيد …فما أحوج الامة الى نساء في حجمها وقوتها يسندن ظهر الاجيال ويعدن تربيتها من البحر … إلى البحر ..

تفاءلت …وكلماتها ما زالت تدغدغ روحي وقلت منتشية : “عجبا إنها امراة …أقوى.. أقوى  …من أمريكا…”

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>