إسلام الشعب وإسلام الشغب!!{ألا إنهم هم السفهاء}(سورة البقرة)


من بين أخطر الفئات البشرية التي رصدها القرآن الكريم، فئة المنافقين الذي ارتضوا لأنفسهم بناء علاقات خفية مع الكفر واعتناق شعاراته، لا بل الدفاع عنها من جهة، ومن جهة أخرى يعملون بكل ما يملكون من طاقة من أجل الاستفادة من “انتمائهم” الإسلامي، ويلتمسون في سبيل ذلك كل طرق المكر والدهاء والخداع معتقدين أنفسهم أذكياء حينما يطرحون أنفسهم كمؤمنين وكمسلمين في الساحة، يتحركون مع المؤمنين بأساليبهم الخداعة، أساليب قد تستعير الشعارات والمفردات الإسلامية، وقد يتحركون في المواقع الإيمانية بغية التمويه لتحقيق مكاسب “أنانية”.

وحركة النفاق هذه ليست جديدة على المجتمع الاسلامي، فمنذ نشأته إلى اليوم، ظلت تتشكل وتتلون بأشكال وألوان المحيط الذي توجد فيه مثلها في ذلك مثل الحرباء. ولكن الله تعالى فضحهم ورسم صورتهم للمؤمنين حين قال : {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض}(البقرة).

إن النفاق حالة مرضية قد تصيب القلب والعقل لتصنع الانسان الانتهازي الذي يتربص بالاسلام وأتباعه وأحكامه وتشريعاته، مرض يزيده الله تعالى {فزادهم الله مرضا}. إلى أن تظهر علاماته في حياتهم الخاصة والعامة، فيتجرؤون على التبشير بإيمان من نوع آخر وإسلام من نوع آخر، يجعلون لأنفسهم إسلاما على طريقتهم، فيحللون ما كانت مصلحتهم في تحليله ويحرمون ما كانت مصلحتهم في تحريمه، ويدعون -كما هو حال كثير منهم اليوم- إلى أنواع “جديدة” من الإسلام مثل : الاسلام العاقل، الاسلام المهذب، الاسلام المتسامح…

والحقيقة أنهم يريدون إسلاما لا يثير “المشاكل” ولا يتحدى الواقع الفاسد ولا يحاسب المفسدين، ولا يواجه الضغوط الاستكبارية المحلية والدولية الضالة والمضلة، يريدون إسلاما يحقق لنفسه سلاما على حساب قيمه تماشيا مع الضلال الذي يحيط به، يريدون إسلاما موظفا مطيعا في دوائر النفاق، لا يتدخل في “حريات” الناس : يمنعهم من شرب الخمر ولعب القمار وإشاعة الزنا وسرقة أموال الشعب وأفكاره وأحلامه، يريدون إسلام الشعب الذي يمجد الخرافة ويقيم لها أصناماً وتماثيل -كما كانوا يرددون على أسماعنا ذات يوم في الجامعات وفي جرائدهم ومنابرهم الاعلامية اليوم- لا إسلام الشغب السياسي والفكري، يريدون الاسلام “المستنير” من “ظلام” الحداثة المتنطعة والتغريب، لا إسلام “السفهاء” الذين يقفون في خط المقاومة والممانعة والمواجهة للاستكبار.{وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس، قالوا أنومن كما آمن السفهاء، ألا إنهم هم السفهاء}.

نعم، إنهم هم السفهاء حقا لأنهم لا يعلمون أن الله يعلم حقيقتهم حين قال لنبيه  {لا تعلمهم، نحن نعلمهم، سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} ولكن حبل النفاق قصير، وصبح الحق قريب {أليس الصبح بقريب}.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>