المبشرون بالرسول الخاتم _ 2- من اليهود


عبد الله بن سلام:

قال الحافظ ابن عساكر:

كان من حديث اسلام عبد الله بن سلام، وكان حبرا عالما، قال عبد الله بن سلام : لمَّا سمعتُ رسول الله  عرفت صَفَتَه، واسمه، وزمانَهُ، وهيئتَه، والذي كنا نتوكّفُ (أي:نتوقع) له، فكنتُ مُسِرًّّا لذلك، صامتا عليه، حتى قدم رسول الله  المدينة.

فلما قدم نزل بقُبَاء، فَأَقْبل رجلٌ حتى أَخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، و عمَّتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة. فلما سمعتُ الخَبَر بقدوم رسول الله  كبَّرْتُ، فقالت لي عمتي -حين سمعت تكبيري- : لو كنتَ سمعتَ بموسى بن عمران قادما مازِدْتَ؟! قال قلتُ لها :أيْ عَمَّة!!! هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، بعث بما بعث به!! فقالت لي : أيْ اُبن أخي، أهو النبي الذي كنا نُخبَرُ به أنه بُعثَ مع نفس الساعة ؟؟ قال : قلت : نعم.قالت : فذاك إذا!.

قال : ثم خرجت إلى رسول الله   فأسلمتُ، ثم رجعتُ إلى أهل بَيْتي فأمرتهم فأسلموا، وكتمتُ إِسْلاميَّ اليهود. ثم جئت رسول الله  فقلتُ : إن اليهود قومٌ بُهتٌ، وإني أُحِبُّ أن تُْدْخِلَنى في بعض بيوتك فَتُغَيِّبَنى عنهم، ثم  تسألهم عني حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي فإنهم إن علموا بذلك بَهَتُوني وعابوني.

قال : فأدخلني بعضَ بيوته، فدخلوا عليه فكلموه وسألوه، ثم قال لهم: (أَيُّ رَجُلٍ الحصيْنٌ بن سلام فِيكُمْ) ؟-وكان هذا اسمه قبل الاسلام، فسماه رسول الله  عبد الله- .قالوا : سيدنا و ابنُ سيِّدنا، وخيرُنا و عالمنا، فلما فرغوا من قولهم جرجتُ عليهم، فقلت لهم : يا معشر يهود، اتقوا الله، واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون إنه لرسول الله، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة، اسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله، وأومن به، وأصدقه، و أعرفه !! قالوا : كذبت، ثم وقعوا فيََّ، فقلت : يارسول الله، ألم أُخبركَ أنهم قومٌ بُهْتٌ، وأهلُ كذب وغدْرٍ وفجور؟؟!

قال : فأظهرت إسلامي، وإسلام أهل بيتي، وأسلمتْ عمتي خالدة، فحسن إسلامها، وفي بعض الروايات، قالوا .أي اليهود. ما نعلمُ أنك رسول الله، وكفروا به، وهم يعلمون أنه رسول الله و أن ما قاله حق ؟!فأنزل الله عز وجل {قُلْ أَرَايتُم إنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ .يعني الكتاب والرسول . وكَفرتُمْ بهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ من بَني إِسْرَائيلَ عَلى مِثْلِه -يعني عبد الله بن سلام- فآمن واستكبرتم إِنَّ اللََّه لاَ يَهْدي القومَ الظَّالِمِين}(الأحقاف : 10).

فقد روي في سبب نزول هذه الآية، أن الرسول  قال لليهود : >أَرأيتُمْ إنْ شَهِدَ أَني رسول اللَّه، وآمَنَ بالكتابِ الذِي أُنزِلَ عَلَيَّ، تُومِنُونَ بِي؟؟< فنزلت: >وَشَهِدَ شَاهِدٌ من بني إسائيل… فآمن  واسْتَكْبَرْتُم…<(1).

مُخَيْرٍق النَّضري الإسرائيلي:

إنه من يهود بني النضير، ومن علماء بني إسرائيل، قال فيه رسول الله  عندما قتل بأحد : >مُخَيريقُ سَابِقُ يَهُودُ، وسَلْمان سابِق فارس، وبلالٌ سابقٌ الحبَشَةِ< لم يعرف عنه شيئ كثير من أحواله ومجابهته وجداله لقومهالبُهْتِ، ربما كان ذلك لقصر المدة الزمنية بين إسلامه واستشهاده في أحد .

عندما خرج رسول الله  إلى أحد قال مخيريق لليهود : ألا تنصرُون مُحمداً؟؟ واللَّهِ إنّكُم لتَعْلَمون أن نُصْرَتَهُ حَقٌّ عَلَيْكُم، فقالوا : اليوم يوم سبت، فقال : لا سَبْتَ لكُم، وأخذ سيفه، ومضى إلى النبي فقاتل حتى أثبتته الجراحة، فلما حضره الموت قال : أمْوَالِي لمحمّد  يضعها حيث شاء. فمات شهيداً ] وأرضاه.

وكانت أمواله التي أوصى بها عبارة عن سبع حَوَائط (أيْ سَبْع بَسَاتِين) المِيثَب، والصائفة، والدّلال، وحُسنى، وبُرقة، والأعواف، ومَشْرَبة أم ابراهيم (أي مارية القبطية)، فجعلها رسول الله  صدقةً(2).

ابن الهَيَّبَان اليهودي يتسَبَّبُ في إسلام ثَعْلَبَة وأُسَيْد ابْنَي سَعْيَةَ وأسَدٍ بن عبيد:

قال ابن اسحاق بسنده عن شيخ من بني قريظة، قال : إن إسلام هؤلاء الثلاثة كان له سَبَبٌ، وذلك >أن رجلا من يهود من أهل الشام، يقال له : ابْنُ الهيَّبَان، قَدِم علينا قبل الإسلام بسنين، فحَلَّ بين أظهرنا، لا والله ما رأينا رجلاً -لا يُصلّي الخَمْسَ- أفضَلَ منه، فأقام عندنا، فكنا إذا قَحَطَ عَنَّا المطرُ قلنا له : أخرُجْ بنا يا ابن الهيّبان فاستسْقِ لنا، فيقول : لا والله، حتى تُقَدِّموا بين يديْ مَخْرَجكم صَدَقة، فنقول له : كم؟ فيقول : صاعاً من تَمْرٍ، أو مُدَّيْن من شعير -حَفْنَتَيْن- قال : فنخرجها، ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرَّتِنا، فيستسقي الله لنا، فو الله ما يَبْرَحُ مجلسه حتى تَمُرَّ السحابة ونُسْقَى، قد فعل ذلك غَيْر مرة، ولا مرَّتين، ولا ثلاث.

ثم حضرته الوفاة عندنا، فلما عرف أنه ميت، قال : يا معشر يَهُودَ، ما تَرَوْنَهُ أخرجني من أرض الخمْرِ والخمير إلى أرْضِ البُؤس والجُوع؟؟ قال : قلنا : إنك أعلم. قال : فإني إنما قَدِمْتُ هذه البلدة أتوكَّفُ -أنتظرُ وأتوَقَّعُ- خروج نبيٍّ قد أظل زمانه، وهذه البلدة مُهَاجَرُه، فكنتُ أرجُو أن يُبْعَث فأتّبعَه، وقد أظلّكم زمانه، فلا تُسْبَقَنّ إليه يا معشر يهود، فإنه يُبعَث بسفك الدماء، وسَبْيِ الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعَنّكم ذلك منه.

فلما بُعث رسول الله  وحاصَر بني قريظة، قال هؤلاء الفِتيَةُ -ثعلبة، وأُسَيد، وأسَد- وكانوا شبابا أحْدَاثا : >يا بَنِي قُريظَة، واللَّه إنه للنَّبِيَّ الذي كان عَهِدَ إليكم فيه ابْنُ الهيَّبَان؟< قالوا : لَيْس به. قالوا : بلى والله، إنّه لهُو بصفته، فنزلوا وأسْلَمُوا وأحرَزُوا دماءَهُم وأمْوالهُم وأهْلِيهِم.(3).

قال ابن كثير في تفسيره : المشهور عند كثير من المفسرين أن قول الله تعالى {لَيْسُوا سَوَاءً مِن أهْلِ الكِتَابِ أمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُون..م}(آل عمران : 113) نزلت فيمَنْ آمن من أحبَار أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، وأسَد بن عبيد، وثعلبة بن سعية وغيرهم، أي لا يستوي مَنْ تَقَدَّم ذَمُّهم من أهل الكتاب وهؤلاء الذين أسلموا.. وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة {وإنّ مِن أهْل الكتَابِ لَمَنْ يُومِنُ باللَّهِ ومَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ومَا أنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثمناً قَلِيلاً}(487/1).

قال عباد بن منصور : سألت الحسن البصري عن قول الله تعالى : {وإنّ مِنَ أهْلِ الكِتَابِ لَمَنْ يُومِنُ بِاللَّهِ} الآية.. فقال : هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد  فاتبعوه، وعرفوا الإسلام فأعطاهم الله تعالى أجْر اثنين للذي كانوا عليه من الإيمان قبل محمد ، واتباعهم محمداً، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى قال : قال رسول الله  : >ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْن< فذكر منهم رجلا من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي(4).

———————-

1- انظر موسوعة عظماء حول الرسول 1215/2 وما بعدها.

2- انظر موسوعة عظماء حول الرسول 1747/3.

3- انظر ابن هشام في الروض الأنف 246/1.

4- المرجع السابق، وتتمة الحديث : ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت له أمةٌ فأدّبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوجها< انظر تفسير بن كثير : 477/3، وقد قال الله فيهم {أولئك يوتون أجرهم مرتين}(القصص).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>