الجهاد: مفهومه وأنواعه


مفهوم الجهاد:

الجهاد بكسر الجيم أصله لغة المشقة، يقال : جهدت جهادا بلغت المشقة، وشرعا: بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضا على مجاهدةالنفس والشيطان والفساق، فأما مجاهدة النفس فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها، وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع مايأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات . وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب(1).

وجاء في لسان العرب لابن منظور : “الجهاد هو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل(2).

ويقول العلامة الراغب الأصفهاني: “الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو”(3)

أما الاستاذ محمد سعيد رمضان البوطي فيرى أن “الجهاد هو بذل الجهد في سبيل إعلاء كلمة الله والقتال من أنواعه. وأما غايته فهي إقامة المجتمع الاسلامي وتكوين الدولة الاسلامية الصحيحة”(4)

والجهادمن أفضل أعمال البر وأزكاها عند الله تعالى. قال عبد الله بن مسعود ] عنه: سألت رسول الله  قلت يارسول الله أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها. قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. فسكت عن رسول الله . ولواستزدته لزادني”(5).

والجهاد كما يرى أبو الوليد محمد بن احمد بن رشد القرطبي المتوفي عام 520ه. فرض على الكفاية يحمله من قام به بإجماع أهل العلم فإذا جوهد العدو وحميت أطراف المسلمين وسدت ثغورهم سقط فرض الجهاد عن سائر المسلمين وكان لهم نافلة وقربة مرغبا فيها. إلا ان تكون ضرورة مثل أن ينزل العدو ببلد من بلاد المسلمين فيجب على الجميع إغاثتهم وطاعة الامام في النفير إليهم(6)

وإذا تعددت جهات وجود العدو، فيكون الجهاد في أهم جهة كما يرى الشيخ أحمد الدردير في قوله: ” ويكون في أهم جهة ” يقول الشيخ محمد عرفة الدسوقي في شرح هذا القول :أي والمطلوب على جهة الوجوب أن يكون في أهم جهة إذا كان العدو في جهات وكان ضرره في بعضها أكثر من ضرره في غيرها. فإن أرسل الامام لغير الأهم أثم كما صرح به اللقاني فإن استوت الجهات في الضرر خير الامام في الجهة التي يذهب إليها إن لم يكن في المسلمين كفاية لجميع الجهات وإلا وجب في الجميع وإن كان في جهة واحدة تعين القتال فيها”(7) ومع أن الحرب في أكثر بلاد المسلمين، وجلها أو كلها بين دول مسلمة، فقد وجب ترك هذه الحروب على الأقل إلى أن تتحرر أفضل وأحسن بقعة على وجه الأرض بعد مكة والمدينة ألا وهي فلسطين المحتوية على  بيت المقدس أول القبلتين وثالث الحرمين، بيت المقدس الذي بارك الله حوله، بيت المقدس مسرى رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.

لقد وجب على مسلمي العالم – حكاما ومحكومين- الدفاع عن فلسطين التي تستنجد بهم بعدما غزاها العدو فقتل صغارها وشبابها وشيوخها وهتك أعراض نسائها وهدم منازلها ودنس مقدساتها.

إن الشعب الفلسطيني والعراقي و…  انطبق عليه قوله تعالى: { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفاع الله ا لناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}(8)

وإن كانت هذه الآية نزلت في حق المسلمين بعد الهجرة في بداية الدعوة المحمدية، فإنها تنطبق على الفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله. ثم ذكر الله في هاتين الآيتين أنه لولاما شرعه من الجهاد بمقاتلة الاعداء في كل عصر ومصر لهدمت معابد الرهبان وكنائس النصارى وبيع اليهود ومساجد المسلمين  التي يذكرون فيها اسم  الله كثيرا.

إن فلسطين يا مسلمي العالم تستنجد بكم وتقول: وا إسلاماه فأجيبوا نداءها.

أجيبوا نداءها بأمور هي: الجهاد بالنفس – الجهاد بالمال – الجهاد باللسان- الجهاد بالقلب – الجهاد بمقاطعة حلفاء اليهود:

 الجهاد بالنفس:

والجهاد بالنفس تعين في هذه النازلة على الفلسطينيين بالدرجة الاولى، لكن لما فشل الفلسطينيون في الدفاع عن أنفسهم ، لالقلتهم، ولا لخوفهم، ولكن لقلة زادهم واسلحتهم ، تعين على الدول المجاورة لفلسطين ولخوفهم على كراسيهم ومصالحهم،ولاستحبابهم عدم إثارة غضب الولايات المتحدة – ربهم الأعلى- وجب الجهاد بالنفس على كل المسلمين في كل  الدول.

فيا أيها الذين امنوا حكاما ومحكومين قادة وشعوبا يقول لكم الله تعالى: {لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}(9)  وتعلمون أن الصهاينة وحلفاءهم الأمريكان أخرجوا إخوانكم الفلسطينيين من  ديارهم وظاهروا على إخراجهم غير خائفين ولامستحيين ولا عابئين بقرارات الأمم المتحدة ولا بنداءات الدول المحايدة، فهؤلاء ينهاكم الله عن توليتهم. وإن فعلتم فاعلموا أنكم ظالمون {والله لايحب الظالمين}(10) بل الله يامركم بقتالهم : {فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}(11) ولقوله : {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة}(12) بل الله يامركم أن تقاتلوهم مجتمعين غير متفرقين تحت قيادة واحدة مسلمة وخطة  واحدة محكمة  وهدف واحد ألا وهو في سبيل الله. {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}(14).

الجهاد بالمال:

والجهاد بالمال له دوره الهام، لهذا كلما ذكر الله الجهاد إلا وأعطى الأولوية للمال على النفس إلا في آية واحدة هي ” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة” 15. أما باقي الآيات وهي كثيرة جدا فتحث على الجهاد بالمال قبل النفس لأن الجهاد بدون مال الذي تقتنى به الأسلحة والمعدات إنما هو انتحار ليس إلا. ولهذا قال تعالى: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله}(16) وقال عز من قائل: { فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة}(17) وقال: {ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تومنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك هو الفوز العظيم، وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}(18)

وروى زيد بن خالد ] أن رسول الله  قال: ” من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا. ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا.” 19

ولقد تعين الجهاد بالمال على كل المسلمين في  العالم لنصرة إخوانهم في فلسطين والعراق و… لافرق بين غني وفقير ولا رجل ولا امرأة كل حسب طاقته. قال تعالى: { لايكلف الله نفسا إلا وسعها}(20) فلا تبخلوا أيها المسلمون على إخوانكم بل على ربكم لأن ما تضعونه في صندوق دعم الشعب الفلسطيني فهو يوضع في يد الله تعالى قبل الصندوق، ويد الله ترعاه وتنميه وستجده يوم القيامة جبالا من الحسنات بحول الله.

 الجهاد باللسان:

وهذا شأن العلماء ، وهو تبيان وجوب الجهاد وأنواعه وطرقه. وحث المسلمين حكاما ومحكومين على نصرة دين الله. وذلك يدخل في باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإن مايقع في فلسطين على يد الصهاينة لمنكر.

زيادة على أن الوقفات الاحتجاجية السلمية التي تقوم بها الشعوب في كل مكان لهي من الجهاد باللسان لأنها تبين للرأي العام الوطني والعالمي مدى تأثر الشعوب بهذه الاعمال الهمجية الشنيعة. وتدفع الحكام الى التحرك لفعل شئ إيجابي من أجل انقاذ المظلومين.

والغريب في الأمر أن احتجاجات شعوب الدول الغربية الكافرة أقوى وأكثر وأنفع من التي تقوم بها الشعوب الاسلامية. والاغرب أن حكومات هذه الدول الكافرة تسمح لشعوبها بالتعبير عن رأيها. بينما الحكومات الاسلامية تقمع شعوبها ولا تترك لها الفرصة لذلك. فلا حول ولا قوة إلا بالله.

 الجهاد بالقلب:

مصداقا لقوله  : ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان”.

والجهاد بالقلب أيها الاخوة هو التألم لما يصيب المسلمين  واستشعار ما هم فيه من هم وكرب لقوله  :” من أصبح لايهتم بشؤون المسلمين فليس منهم”. وبهذا يتوجه إلى الله في كل صلواته ويتحرى أوقات الاستجابة ليدعو للمسلمين بالنصر والتمكين وللصهاينة وحلفاءهم بالدمار والخسران.

 الجهاد بمقاطعة أنصار اليهود:

مقاطعة اليهود وأنصارهم دبلماسيا واقتصاديا، وهذا من شأن الحكام. ومقاطعة البضائع والسلع الامريكية على  الخصوص لأننا إذا اقتنينا بضاعة أمريكية معناها أننا ساهمنا في قتل مسلم في فلسطين أو العراق أو… وهذا من شأن الحكام والشعوب. فإننا نصبر على مالا يمكن اقتناءه إلا من أمريكا، ولا نصبر على عذاب الله يوم القيامة حين نسأل عن مساندتنا لأعداء ا لاسلام الذين قال فيهم : {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}(21) فلا حاجة لنا فيهم ولا في ملتهم. وإننا لنلتمس العزة من الله، ونعوذ به أن يجعلنا ممن قال فيهم {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المومنين أيبتغون عندهم العزة ، فإن العزة لله جميعا}(22)

هكذا نجاهد في فلسطين في عصرنا هذا. أما أن نجاهد بصلاة الغائب على شهداء الأقصى. فما هذا سوى تمويه وإضاعة للوقت والجهد من جهات متعددة منها:

1- لأنه يجب النظر فيما يمكن فعله مع من  هم أحياء الآن حتى لايموتون هم كذلك.

2-  لأن هؤلاء الذين ماتوا هم شهداء لايحتاجون إلى صلاة – أي الدعاء- بل نحن الذين نحتاج منهم الدعاء لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون. قال تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات، بل أحياء ولكن لاتشعرون}(23)

فيا حكام العرب والمسلمين، سيذكر التاريخ هذه الفترة العصيبة من حياة الأمة، وسيذكر تخاذلكم وتواطؤكم مع اليهود والأمريكان. والتاريخ لايرحم . وسيذكر الله بتخاذلكم هذا يوم لاينفع شارون ولا بوش، ويسألكم: {ومالكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من ا لرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا  من لدنك نصيرا}(24) وسيأتيكم الجواب حين لا تجدون جوابا {فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او أشد خشية، وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب، قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى، ولاتظلمون فتيلا}(25).

هذا قولي لكم يا مسلمي ا لعالم. واللهم إني قد بلغت ، اللهم فاشهد. ولا حول ولاقوة إلا بالله.

————-

1- فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج 6. ص: 5

2-  لسان العرب ج 1 ص 71

3- معجم مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني. ص: 99

4- مفاهيم تربوية د. محمد الهلالي. ص: 63

5- رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير. باب فضل الجهاد والسير. الحديث 2782.

6- المقدمات الممهدات لابن رشد ج 1. ص 347

7- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير أحمد الدردير ج 2. ص 154

8-  سورة الحج الايتان 39 و 40

9- سورة الممتحنة الآيتان 8 و9

10- سورة آل عمران الآية 57

11-  سورة البقرة الآية 191

12-  سورة البقرة الآية 190

13- سورة التوبة الآية 36

14- سورة الصف الآية 4

15- سورة التوبة الآية 111

16- التوبة الآية 20

17- النساء الآية 95

18- سورة الصف الآيات من 10 إلى 13

19- كتاب الجهاد والسير. باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير. ا لحديث 2843 رواه البخاري

20-سورة البقرة الآية 286

21- سورة البقرة  الآية 120

22- سورة النساء الايتان 138 و 139

23- سورة البقرة الآية 154

24- سورة النساء الآية 75

25- سورة النساء الآية  77

ذ. محمد رفيق

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>