توسمات جارحة : مَنْ نحن مِنْ هؤلاء؟


لم يمض على رحيل الضيف الحبيب سوى أيام معدودات , بعد أن نعمنا بحلاوة إطلالته وذقنا نعيم بشائره , وأيقنت جوارحنا أن لا ملجأ من الحق سبحانه إلا إليه , وتزودنا بزاد تفاوتت قيمته و طاقته , ثم تفرقت السبل بنا , وتابعنا الطريق , منا من ارتقت نفسه في مدارج الحب واليقين وطعم لذته،  فعاهد الله على  جعل القرآن الكريم إماما واتخاذه منهجا في الحياة وصدقه عز وجل  بعد أن استقرت عقيدة التوحيد في نفسه استقرارا حقيقيا , ومضى يحققها في واقعه الإنساني سلوكا إيجابيا وممارسة عملية نابعة من العمل الصالح , تترك كل حين ثمارا مختلفا ألوانها يتذوقها أغلب من حوله . ومنا من لم يستطع مبارحة مراتب الخوف بعد أن دعا الله تعالى مخلصا له الدين وصاحبه طيلة رمضان، إلا أن النفس الأمارة بالسوء فتحت للشيطان أبوابا ولج منها إلى خوفه فتناساه مرات عديدة , ومضى في طريقه يتثاقل عن أداء مصاحبة الله عز وجل طيلة العام . ومنا من فتنته نفسه، فإما جاهر أنه أعلى من جعل نفسه رهينة لشريعة مضى عليها حين من الدهر فاستسلم لطين لزب يسد عليه منافذ الرحمة ويسلمه إلى قناعات لا تجعل منه شيئا مذكورا سوى الانبطاح تحت أقدام الطغاة والمتجبرين , أو أسر في نفسه أنه يستطيع الاستفادة من بشائر الإيمان الذي بدأ يتغلغل في القلوب فأسرع يمتطي صهوة الادعاء والكذب والنفاق فتراه جنبا إلى جنب مع الذين عاهدوا الله تعالى وإذا خلا إلى نفسه عضها بالنواجذ غيظا حتى تسيل مكائد وفتن تنتشر بين الناس قد لا ينجو منها إلا من رحم الله . هذه علاقتنا مع الله ومع أنفسنا بعد رمضان , فمن نحن من هؤلاء ؟؟؟…

لم يمض على رحيل الضيف سوى أيام معدودات بعد شهر كامل قضاه معنا يبصرنا الطريق  القويم لاتباعه وطريق الزيغ والضلال لاجتنابه , ويحثنا علىالوحدة والتلاحم والتصافي , لكنا ما زلنا نردد نفسي نفسي ونلهث وراء الفراغ الذي يدير رؤوسنا دون فائدة , ما زلنا مجموعات مجموعات لا تكاد تعي ما رددناه جميعا ورتلناه ولو مرة واحدة “ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا” , مجموعات كل واحدة تعتقد أنها الفئة الناجية التي يجب على الأمة أن تتبع طريقها إذا أرادت اللحاق بركب الحضارة , متناسين جميعا أن مراجعة النفس ومحاسبتها ومراجعة الذات الحضارية ووضعهما في مدارج الحب هي الطريق الناجية التي توصل الجميع إلى قيادة البشرية من جديد في الدنيا وتبوئهم مكانة يغبطهم عليها النبيون والشهداء في الآخرة . فعـن معاذ رضي الله عنه قال :” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”قال الله عز وجل : المتحابون في جلالي لهم منابر من نور , يغبطهم النبيون والشهداء”(رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح) . فهل نستطيع أن نكون من هؤلاء ؟؟؟…

يقول الإمام الشافعي رحمه الله :”ما ناظرت أحدا إلا وتمنيت أن يجري الله الحق على لسانه” .

< الأديبة  الدكتورة   أم سلمى

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>