كتاب في حلقات : يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟! قراءة تفسيرية لنبوءات التوراة عن نهاية دولة إسرائيل


الحلقة 3 : مسحاء كذابون

أمريكا كما قال إدوارد سعيد – هي أكثر أمم العالم انشغالاً بالدين !!

وفي أمريكا تيار أصولي ديني مهووس إلى الثمالة بعودة المسيح عاجلاً غير آجل ومستعد لأن يرتكب في سبيل ذلك أكبر الحماقات !!

وأي حماقة أكبر من محاولة التسلل إلى القواعد النووية وإطلاق الدمار على العالم كله ؟

وعن أي دليل نبحث وقد رأيناهم ينتحرون بالمئات والعشرات، ويفجرون المؤسسات الفدرالية وينظمون الجيوش والعصابات لليوم الموعود.

والمصيبة أنهم يزيدون ولا ينقصون ولا يحتكمون إلى أي منطق أو عقل وإنما هي خيالات ومنامات ومخاطبات من الشياطين يزعمون أنها من الروح القدس!!

بل إن عدداً يصعب حصره منهم يدعي أنه هو المسيح أو أن المسيح حل فيه أو خاطبه !!

ومن عقائد هؤلاء :

1­-  قيام دولة إسرائيل تمهيد ضروري لنـزول المسيح.

2- مشروع السلام هو تأخير لوعد الله.

3- القدس بكاملها يجب أن تكون تحت سيطرة إسرائيل.

4- إسرائيل مباركة ومبارك من يباركها وملعون من يلعنها أو يعاديها.

5-  الفلسطينيون -والمسلمون عامة- رعاع وثنيون وحزب يأجوج ومأجوج.

6-  الألف سنة السعيدة يوشك أن تكون لكن بعد خطف المؤمنين إلى السحاب لملاقاة الرب عند نـزوله و دماركل الوثنيين في معركة هرمجدون الكبرى.

وليس هؤلاء جماعة رهبانية معتـزلة كما كان الحال في القرون الأولى. بل هم أصحاب نفوذ اجتماعي بارز، وترسانة إعلامية مؤثرة، ومناصب عليا في الحكومة !!.

ونبوءات التوراة مضاف إليها الكهانة والتنجيم وتحضير الجن هي أعظم طقوسهم، واعتماداً عليها تقوم نظرياتهم في السياسة والاجتماع، وقواعدهم في التعامل مع سائر البشر.

والمفكرون العلمانيون في أمريكا يعلمون أن تغيير الأفكار المنكوسة لهؤلاء القوم شبيه بالمحال، فالبنية العقلية مدمرة من أصلها والنفسية في غاية التعقيد والغرابة.

والساسة العلمانيون ينافقونهم لما لهم من تأثير على الرأي العام ونفوذ في عالم المال والإعلام!!.

والإعلام العربي قليل الحديث عنهم لأنه مشغول بمحاربة المتطرفين والإرهابيين عن الحديث عن هؤلاء الذين مهما فعلوا وفكروا فليسوا إرهابيين ما داموا ليسوا مسلمين !!

هم والمفكرون العلمانيون على طرفي نقيض، لكن المشكلة أن كتلة الوسط تقل تدريجياً، والأكثرون يميلون إلى هؤلاء لا إلى الفكر العلماني، هرباً من جحيم الحيرة والجفاف الروحي، ولذلك تغلغلت الأصولية المهووسة في كل مجال واخترقت كل الحدود.

وقد هيأت الأقدار لفتنتهم في هذا العصر ما لم يكن من قبل -ولا شك أن لله في ذلك حِكماً عظاماً- اجتمع لهم أمران كل منهما كافٍ في ذلك :-

1) وجود تجمع يهودي كبير في فلسطين وهو ما لم يُعهد من قبل.

يقول “هول ليندسي” في كتابه : ” كوكب الأرض، ذلك الراحل العظيم ” :

(قبل أن تصبح إسرائيل دولة، لم يكشف عن أي شيء، أما الآن وقد حدث ذلك، فقد بدأ العد العكسي لحدوث المؤشرات التي تتعلق بجميع أنواع النبوءات، واستناداً إلى النبوءات فإن العالم كله سوف يتمركز على الشرق الأوسط، وخاصة إسرائيل في الأيام الأخيرة )(1).

2) حلول الألفية وبالأصح عام 2000 التي تعني عندهم بداية النهاية للعالم المعهود وبداية الدخول إلى العالم الآخر عالم الألفية المسيحية الذي هو بمنـزلة عالم الآخرة أو الجنة عند المسلمين.

في غمرة الحماس الهائج لاقتراب الألفية نشط الأصوليون في العقدين الأخيرين من القرن العشرين نشاطاً هائلاً في كل المجالات. إلا أن من أهمها مجال الدراسات والتآليف والصخب الإعلامي عن نـزول المسيح واقتراب الألفية السعيدة، حيث استعجلوا بتعسف ظاهر كل حوادث آخر الزمان وأشراط الساعة، وأعدوا لها تصورات (سيناريوهات) مرعبة للغاية، تقوم على افتراض واحد هو : حدوث المعجزات الخارقة بما لا يمكن أن يتفق مع التتابع المنطقي لأحداث التاريخ بأي حال.

لقد وجد هؤلاء أنه لا يمكنهم تصور أو تصوير حلول الألفية السعيدة وفق الشروط الموضوعية كالزمان والمكان والظروف السياسية الحالية. فلابد من إقحام خارقة عظمى تقلب النظام الكوني رأساً على عقب. ومن هنا كان أسهل الطرق لتحقيق ذلك هو كارثة نووية تقضي على الحضارة، وتعيد العالم إلى حالة شبيهة بحاله عند المجيء الأول للمسيح، وتمهد للمجيء الثاني الموعود، ووجدوا ضالتهم المنشودة في معركة “هرمجدون” المشؤومة. ووافق ذلك شعارات ريجان ونيكسون عن تدمير إمبراطورية الشر “الاتحاد السوفيتي” فافترضوا أن يأجوج ومأجوج هم الروس. وبسقوط الاتحاد السوفيتي وقيام حرب الخليج افترضوا أن يكون الآشوري هو صدام حسين وأن يأجوج وماجوج هم العرب أو العرب والفرس وغيرهم وأن الحرب النووية لا مفر منها !!

وبعد اتفاقات “أوسلو” خمدوا قليلاً -بل اضطربوا- فلما قامت الانتفاضة الأخيرة تنفسوا الصعداء لاسيما وقد وقعت في نفس عام 2000 ! ومن هنا يضع كثير من المفكرين والدارسين في الغرب أيديهم على قلوبهم، خشية أن يغامر أحد المهووسين هؤلاء بحماقة تكون عاقبتها كوارث لا تحصى.حتى أن السلطات الإسرائيلية نفسها تتشدد في دخول المتطرفين من هؤلاء إلى إسرائيل خشية إقدامهم على شيء من هذا القبيل. أما الكارثة الكبرى التي تقض مضاجع المراقبين فهي احتمال تسلل هؤلاء إلى أحدى القواعد النووية، وإشعال النار التي لا يستطيع العالم أن يطفئها !!.

وينبغي أن يعلم الناس أن مرور عام 2000 أو ما بعده دون حدوث شيء لا يعني نهاية هذه الأفكار فإن هؤلاء تعودوا أن يعيدوا النظر في حساباتهم، وسوف تأتيهم الشياطين وتوحي إليهم بسراب جديد يلهثون وراءه، ويثيرون الرعب في العالم، ويظلون مصدر تهديد مستمر للبشرية كلها !!.

ومع اقتناعي بأن هؤلاء لاعقل لهم أرى أنه لابد أن يتصدى لهم العقلاء بنسف الأساس العقدي لأوهامهم وضلالاتهم. وإذا كان أهل الكتاب عاجزين أو مقصرين فنحن لا يجوز لنا أن نعجز أو نقصر وبين يدينا الوحي المعصوم والحق الجلي، الذي لو عرضناه على العالم لوضع الله له القبول عند الناس.

ومن هنا كان إثبات أن دولة إسرائيل القائمة لا علاقة لها بالمسيح من قريب ولا بعيد، وأن الألفية الثانية ستمر كما مرت القرون الأولى بلا جديد، هو دفع لشر هؤلاء ليس عن المسلمين وحدهم بل عن الإنسانية جميعاً وهذا هو أحد دوافع كتابة هذا البحث الموجز والدافع الآخر هو ما يختص بالمسلمين وسنعرض له لا حقاً.

ونحن لا نطالب من شك في أمر هؤلاء من بني دينهم إلا بقراءة جديدة للفصلين الثالث والعشرين والرابع والعشرين من إنجيل متّى -لاسيما عند الحديث عن نبوءة دانيال- والتأمل جيداً في تحذير المسيح ( من المسحاء الكذبة، والمروجين للإشاعات عند قيام ” رجسة الخراب ” في أورشليم، ثم يسأل كل منا نفسه ؟ من هؤلاء يا ترى وكيف يجب أن يكون موقفنا منهم ؟

فإن وصلوا إلى الحقيقة -وهذا ما نعتقده- وإلا فليتابعوا المسير معنا حتى نجليها كاملة بإذن الله!!.

تصورات النصارى عن الألفية ونزول المسيح(1).

أ ) تصور شيوخ الكنيسة القدامى (نزول المسيح سابق للألف سنة) :

1-  بعد رفع المسيح يبدأ عصر الكنيسة.

2-  في نهايته يكون سبع سنوات من الفتنة.

3-  بعد السبع السنوات ينزل المسيح ويرتفع القديسون لاستقباله في السماء ثم ينـزلون إلى الأرض.

4-  بعد ذلك تبدأ الألفية السعيدة تحت حكم المسيح.

5-  ينتهي العالم وتأتي الأرض الجديدة (الأرض عندهم تتبدل مرات فالأرض في عصر آدم هي غير الأرض في هذا العصر…وهكذا).

ب) تصور اللا ألفية :

وهو رأي القديس أوغسطين ومجمع “أفسس” وعليه الكاثوليك والكنائس الكبرى البروتستانتية:

1- عصر الكنيسة : هو الألف سنة والفتنة معاً، فمن كان المسيح في قلبه فهو في الألفية ومن لم يؤمن فهو في الفتنة والنبوءات كلها رموز (حتى الألف لا معنى لها هنا).

2- ينـزل المسيح ويرفع القديسين ويعيشون كلهم في السماء.

ج)-تصور ما بعد الألفية :

تصور بروتستانتي من (ق:17) إلى (ق:20) مؤسس على فكرة التطور والتقدمية ومضاد للكنيسة الكاثوليكية. وقد استمر حتى انهيار الفكرة بقيام الحرب العالمية الأولى :-

1- عصر الكنيسة = انتشار الكنيسة.

2- العصر الذهبي = تمتلك الكنيسة جميع الشعوب.

3- نزول المسيح ورفع القديسين إلى السماء.

د) مذهب الأصوليين في القرن العشرين :

وهو تعديل للمذهب الأول وفيه نزولان للمسيح، ابتدعه بعض الإنجليز في (ق:19) :-

1- عصر الكنيسة.

2- ثم نزول المسيح في السماء وارتفاع القديسين إليه وبقاؤهم في السماء مدة الفتنة.

3- تقع الفتنة على المسلمين واليهود في الأرض وأولئك في السماء.

4- ينـزل المسيح والقديسون وتكون الألفية السعيدة لهم.

ينتهي الأمر بتبدل الأرض إلى أرض جديدة !!.

بقلم : الشيخ سفر الحوالي

—————-

1- حمى سنة 2000 ص (146).

2- المصدر: (DAVID REGAN : THE MASTER PLAN : HARVEST HOUSE ,EUGENE , OR  PP)154-157.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>