موقع الإعلام العربي في ظل الفوضى التي يعيشها


كوثر البشراوي: أين نحن؟ أين موقعنا من هذا الإعلام؟

محمد السنعوسي (إعلامي كويتي – تليفزيون دولة الكويت): سؤالك سؤال ليس بالأمر السهل اختصاره، لأن الإجابة على سؤال مثل هذا النوع عليك أن تتهمي..

كوثر البشراوي  : الجميع..

محمد السنعوسي: كل الحلقة الدائرة من متلقي، إلى إعلامي، إلى الإعلام وإلى نتاج المجتمع، وهكذا القائمة طويلة في من نتهم، نحن نعاني من مجتمع معزول ما عدا القنوات الفضائية هي التي تقوم بدور -بدون مبالغة- لعله دور توحيدي، لعله دور معلوماتي، لعله دور ثقافي وإثراء ثقافي يمكن يفوق جهد الجامعة العربية، إذا أتينا إلى المجتمع، فالمجتمع العربي ليس حقيقة ولا يجب أن نجامل بأنه مجتمع نعتبره متخلفاً في مجمله، البطالة وصلت إلى 75% كما يُقال، والإحصائيات الأخيرة تقول كذا، دور المرأة في مجتمعاتنا العربية والتخلف الذي تعيش فيه، الفقر والتحدي والجري حول لقمة العيش وليس إلى الدش، وهكذا، فالمجتمع كذلك يعيش بأمية، ليس أمية القراءة والكتابة فقط، بل أمية التعامل مع العصر الحديث وهكذا.

د. أحمد الربعي (سياسي كويتي): بحجة تنافس بين بعض الفضائيات العربية نتطرف، أما في قضايا الجنس أو في قضايا الأغاني الهابطة، أو في حوارات لا معنى لها والهدف منها الإثارة أكثر من أي شيء آخر، هذه هي مشكلة أولى.

المشكلة الثانية أن هناك تصفية حسابات غير مرئية بين عدد من الفضائيات والتليفزيونات العربية، أنا أريد أن اقتص من التليفزيون الفلاني الذي يمثل الدولة الفلانية، لأنه في اليوم الفلاني وضع برنامج أو لقطة المقصود فيها الإساءة لي، فإذن خلينا ننتظر اللحظة المناسبة لأسيء للطرف الآخر بهذه الطريقة، الحوار اللي حذرنا منه، حوار الديكة، صراع الديكة أيضاً أعتقد هذا منظر سيئ جداً ومع الأسف بدلاً من أن يقل بدأينتشر بشكل أكثر وبدأ الناس تتنافس عليه، والناس في مجتمعات مثل مجتمعاتنا تحب هذا النوع من.. من الشحن والشد و.. والخوف الذي تحول إلى ثقافة لجيل جديد. حتى الآن في رأيي الفضائيات العربية لا شخصية لها.

كوثر البشراوي: أجد أنه هناك اتفاقا حول ظاهرة اللاتوازن أو هذا الشطط في الإعلام، يعني هناك تطرف، إما تطرف بمفهوم اللحظة الحسية الآنية المنفتحة وهي أيضاً صدمة بالنسبة لمجتمع عربي لما تصبح بناته عرايا على التليفزيون، وصدمة أخرى وتطرف من نوع آخر الذي هو هذا الصراخ وهذا ما يُسمى بالنعيق ويعني صراع الديكة.

د. فيصل القاسم (إعلامي سوري- قناة الجزيرة): صح، أنت تريدين أن تقولي أن الإعلام العربي ينقسم إلى قسمين، أو يلعب -بعبارة أخرى- على مكبوتين: المكبوت الاجتماعي (الجنسي)، والمكبوت السياسي، البعض يروج لثقافة التعري وثقافة الهشِّك بشِّك.

كوثر البشراوي: وكلاهما ثقافة البهلوان.

د. فيصل القاسم: لا أختلف معكِ، والثقافة الأخرى هي الثقافة السياسية، أنا أريد أن أدخل في نقطة مهمة جداً هنا، لماذا أخذنا عن الغرب جل ثقافة الهشِّك بشِّك الإعلامية، نحن إذا نظرنا الآن إلى الثقافة الجادة في التليفزيونات العربية مقارنة بالثقافة الهابطة نجد أنها 5% إذا لم تكن أقل، أخذنا من الغرب أتفه ما في إعلامه، أخذنا ما في الغرب أتفه ما في ثقافته، وهي ثقافة الهشِّك بشِّك، الثقافة الشعبية الهابطة، الثقافة التي لا هم لها إلا إشباع الغرائز -إذا صح التعبير- والهبوط بالعقل البشري إلى.. إلى أدنى مستوياته، ثقافة تزييف الوعي، ثقافة إفراغ العقل العربي مما فيه، ثقافة..

كوثر البشراوي : ثقافة أيضاً القمار الآن.

د. فيصل القاسم: ثقافة.. وثقافة القمار، لماذا كل هذا مسموح؟ يعني انظري الآن عشرات التليفزيونات العربية لا هم لها إلا أن مئات الصحف العربية، مئات المجلات العربية ذات الألوان الجميلة والمضمون الفاقع والفارغ .

كوثر البشراوي: والميزانيات الضخمة.

د. فيصل القاسم : والميزانيات الضخمة، كم من المليارات العربية تصرف على تزييف العقل العربي؟ كم من المليارات العربية تصرف على.. على تغييب العقل العربي؟ كل هذا أخذناه من الغرب، كل ذلك أخذناه من الغرب..

كوثر البشراوي: من الفيديو كليب.

د. فيصل القاسم: من الفيديو كليب إلى برامج الترفيه، يعني أنا أريد أن أسأل كما هو الحال في الغرب نسبة البرامج الممتازة والجادة وإلى ما هنالك قليلة جداً، لهذا مثلاً تجدين مطربة هابطة ساقطة بنت ستين ألف.. كذا، تجد لها ألف فرصة على صدر هذه المجلة أو على هذه الشاشة أو تلك، والمثقف العربي أو المثقف الذي يريد أن يطرح رأياً سياسياً جاداً يعيش في غياهب السجون أو لا يسمح له بأن ينبس ببنت شفة، نحن أخذنا كل ذلك 70%، 80% من ثقافتنا التليفزيونية العربية الموجودة الآن من الغرب الهشِّك بشِّك، لماذا تستكثرون علينا أن نأخذ من الغرب 5%، من ثقافة الحوار، من الثقافة السياسية إلى ما هنالك يا كوثر البشراوي؟!

الحاج نايف كريم (رئيس مجلس إدارة قناة المنار- لبنان): هو في الغالب إعلام يحاول أن يمارس التقليد للإعلام الغربي، وهو تقليد برأيي فاشل لأنه لا يمكن أن تستورد أفكارا من الغرب تمثل ثقافة الغرب وقيم الغرب وأخلاقياته، وبالتالي هي نتاج مجتمع الغرب ومحاولة إسقاطها على المجتمع العربي وفي الشارع العربي، لابد حتى يكون هناك نجاح في العمل الإعلامي العربي أن يكون هناك تجربة تنهض من الواقع العربي، من ثقافة الإنسان العربي، من شخصية الإنسان العربي، من تراثه، من تاريخه، وتعبر عن تطلعاته والمستقبل الذي يطمح إليه ليكون شريكا فعليا في إنتاج الصورة على مستوى العالم ويثري هذا الدفق الإعلامي العالمي بنموذجه الخاص بعيداً عن التقليد، أو بعيداً عن الأساليب التي لا تحاكي أسلوب الصورة، يعني نحن نعرف أن لغة التليفزيون اليوم هي لغة الصورة، لكن في كثير من وسائلنا الإعلامية المتلفزة مازالت تستخدم لغة المنبر، لغة الخطابة، لغة.. اللغة الإذاعية تستحضرها إلى التلفاز، أو لغات للسُّبل أو الوسائل الإعلامية التي كانت ما قبل لغة الصورة وتحاول أن تقدمها من خلال المنبر التليفزيوني، وهذا جزء من أسباب فشل بعض وسائل الإعلام العربي، أو معظم وسائل الإعلام العربي أنه ليس هناك إجادة فعلية حتى الآن للغة الصورة والإيحاءات التي يمكن أن يستفاد منها في لغة الصورة لإيصال رسالة معينة.

حسن. م. يوسف (كاتب وصحفي سوري): القضية هي في أنه يجب علينا أن نفكر بماذا نريد، مَنْ نحن؟ ولماذا هذه المحطات الفضائية؟ يبدو أن هناك ناسا لا يريدون لنا أن نسأل أنفسنا مَنْ نحن؟ وماذا نريد؟ هناك ناس يريدون أن نزمن النوم، يريدون استخدام التليفزيون، شاشة التليفزيون كحبة منوم يأخذها المواطن وينام. الناس لديهم ثقافة فعلاً.

كوثر البشراوي: بصرية.

حسن. م. يوسف: ثقافة بصرية وهم يحسنون قراءة الصورة جيداً، ولكن هناك تسلل في الصورة التي تقدَّم على الشاشات الفضائية، نحن نقدم كلاماً إيجابياً لمصلحة قضيتنا ونستخدم صورة معادية لقضيتنا، جاهلين أن صورة واحدة تعادل عشرة آلاف كلمة، أحياناً نأخذ من رويتر أو من (أسوشيتد برس) أو نأخذ من C.N.N نأخذ من هذه المحطات صورا، ونحن نعتقد أننا قد.. عندما نعيد صياغة الخبر بما يوافق وجهة نظرنا نعتقد أننا بذلك قد تمكنا من أيقاف تأثير الصورة، ولكن هذا خطأ، نحن نساهم في الخبر بنسبة محدودة جداً. وهذا تسلل، الآن إذا سرت في الشوارع العربية سوف تجدين شباب يلبسون قبعات بالعكس، إذا استوقفت واحداً منهم وسألتيه: لماذا تلبس هذه القبعة بالعكس؟.. إذا كان ذكياً قد يجيبك إنه هو يقلد الأبطال الأميركان الذين يراهم في التليفزيون، وقد يقدم لك أي إجابة أخرى، عملياً نحن نتعرض لحالة من الإعلام غير المتوازن، ما نقدمه على شاشتنا..

كوثر البشراوي: لا يشبه مجتمعنا.

حسن. م. يوسف: لا يشبه مجتمعنا، ولا يعبر عن ثقافة مجتمعنا بحيث أن شخصية مثل توم وجيري أشهر من عنترة بن شداد وأشهر من أي بطل أسطوري عربي وهذه إهانة لنا.

يعني نحن مع الأسف ننمي أجيالنا على ثقافة أخرى، والآن هناك ظاهرة جديدة هي ظاهرة الدبلجة، نحضر مسلسلات مصورة في بلدان أخرى ونعيد إنتاج الكلام، ونحن نقدم هذه المسلسلات في تليفزيوناتنا لكي نعزز الانفصام، هذا ينتج انفصام شخصية.

كوثر البشراوي: ألسنا جزء من هذه الإنسانية والقرية الكونية؟

حسن. م. يوسف: نحن جزء من الإنسانية حقاً، ولكننا أنا برأيي يجب أن نأخذ بنصيحة (طاغور) يقول: “أريد أن أفتح نوافذي على الجهات الأربع، على الرياح الأربع، ولكنني لا أسمح لأي منها أن يقتلعني من جذوري”، نحن شعب لنا خواصنا الحضارية والثقافية، لنا هويتنا، نحن.. خذي أي شخص في الغرب.

كوثر البشراوي: سوبرمان.

حسن. م. يوسف: سوبرمان مثلاً، أعتقد إنه أسطورة ضعيفة وغير مقنعة، وليس لها بُعد اجتماعي، بدليل إنه سوبرمان الممثل الذي كان يؤدي دور سوبرمان أصبح مشلولاً.

كوثر البشراوي: مشلولاً!

حسن. م. يوسف: الواقع نفسه، الحياة نفسها سخرت من هذه التوليفة الأميركية المزورة، في حين أن مثلاً عنترة بن شداد هو إنسان حقيقي، إنسان حقيقي صنع نفسه بالعمل وبقوة الذكاء البشري وفرض قيمه، وفرض إرادته على الظروف، وبالتالي نحن ننسى هذا الشخص ونقدم ظلالاً، أوهاماً.

د. فيصل القاسم: كل ما في الأمر أن العرب ركبوا موجة الستالايت، موجة الأقمار الصناعية، بعضهم اشترى أقماراً صناعية، البعض الآخر حجز أماكن له على الأقمار الصناعية، ونقل عفنه الإعلامي الأرضي إلى السماء أو إلى الفضاء ليس إلا.

كوثر البشراوي: هناك من يتهم بعض الاتجاهات الإسلامية بعرقلة مشروع الانفتاح وتكنولوجيا الانفتاح، رأس المال الانفتاح، فضائيات انفتاح شئنا ذلك أم أبينا، كيف تجيب على هذه التهمة؟

د. وليد الطبطبائي (نائب إسلامي كويتي): طبعاًنحن كإسلاميين في الكويت وغير الكويت نحاول أن نقلل من التأثير السلبي لثورة الاتصالات والفضائيات وتأثيرها، نحاول أن يكون فيه إعلام جاد، ويعني إمكانياتنا محدودة لمقاومة هذا الشيء، لكن صوت الحق ينتصر في النهاية، الآن بدأت المحطات الجادة يصير لها سوق، يعني الآن مثلاً قناة مثل قناة (الجزيرة) يتابعها أكثر من 70 مليون في اليوم، وفيه محطات تتابع لأنها فيها إسفاف أيضاً فيه لها متابعين، وفيه محطات “اللي بالنص متابعينها قليلين”، أعتقد إن الثقافة الجادة لها سوقها وفي النهاية يعني المسألة الناس ما هم كلهم عبيد الشهوات وما عبيد لـ..، لكن أنا أقصد إحنا ممكن نحاول نوجه، نتصل بالمثقفين، نتصل بالمسؤولين، بالكلمة الحسنة نحاول نوجه، نوعي، هذا دورنا، طبعاً إحنا الآن موضوع مثلاً الفيديو كليب هذا مأساة، أنا طلبت هنا أن وزير الإعلام إنه يوقف موضوع الفيديو كليب، يعني هذا تجارة رخيصة، أي علاقة للأغنية برقص الفتيات، اليوم يجيبوا مجموعة يشيلوها مما يحصل بالأسف في محطاتنا كباريهات على الهواء، صارت محطاتنا هي ثقافة الهشك بشك أو الوحدة ونص..

كوثر البشراوي: وجميل على رجل مثلك أبو لحية يحكي هشك بشك.

د. وليد الطبطبائي: والله أنا..

كوثر البشراوي: هذا قاموس العصر، على رأيك.

د. وليد الطبطبائي: والله بقاموس العصر، للأسف محطاتنا صارت محطات كباريهات على الهواء.

في العدد القادم إعلام القمار وسيطرته على الفضائيات العربية.

المصدر : الجزيرة. نت بتصرف

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>