هذا الملف : التربية والتعليم : ما هي ضمانات تجربة الإصلاح الجارية؟!


عرف المغرب في الأشهر الأخيرة تغيرات كبيرة تمس نظامه التعليمي في شكله وجوهره. وإن كنا متيقنين من سلبية هذا النظام وا رتباكه طيلة السنين الماضية، فإننا نجد أنفسنا أمام تساؤلات عدة حول هذه التغيرات الجديدة الطارئة التي يسميها أصحابها إصلاحاً.

إن كل إصلاح يستلزم أولاً تقويماً للوضع السابق ووقوفاً على إيجابياته وسلبياته والأسباب الهيكلية التي عاقت إصلاحه، الشيء الذي لم يسبق العملية الجارية، فأرضية ميثاق التربية والتكوين الذي صدر في أكتوبر 1999 بقرار سياسي في وسط نخبوي حزبي توافقي لم يتحلَّ بالجرأة الكافية والشفافية المطلوبة، كما يستلزم كل إصلاح إعداداً عميقاً ومتأنياً يأخذ حظه في الزمان والمكان والطاقات خاصة مع مسألة هامة وعامة كمسألة التربية والتعليم، فلابد من تجند وطني وإشراك عام ومراحل قبلية تحضيرية ترسم الأهداف الواضحة والوسائل المناسبة والإمكانات المتاحة والطاقات البشرية المشرفة.

غير أن كل هذا وغيره لم يحصل في تجربة “إصلاح” التناوب هذه كما لم يحصل في مختلف التجارب السابقة منذ الاستقلال حتى سنة 1985، وكل تلك التجا رب مرت وسط لعبة سياسية لم تقدم الضمانات المؤشرة على النجاح ولم تقدم التقويم المتعلق بنهاية التجربة، كأننا في لعبة ورق، و الأمر حقيقة يتعلق بمصير أطفال وشباب وسياسة تعليمية وبالتالي أمة بأكملها.

من هذا المنطلق يحق لنا أن نتساءل عن احتمالات فشل هذه التجربة كسابقاتها خاصة أنها تمر في ظروف سياسية أكثر مأساوية ومساحة زمنية جد ضيقة لا تتعدى بضعة شهور؟؟ وفي إطار مرجعية حداثية مرتبكة لا جذور لها في المجتمع ولا علاقة لها إلا بالهامش.

من حق النخبة والشعب أن يطلبا ضمانات هذه التجربة والأهداف والخلاصات المنتظرة منها، وكذلك كيف تم أو سيتم تجاوز العقبات والصعوبات التي أفشلت باقي التجارب؟ فهل يكفي أن يغرق رجال التعليم في مذكرات جديدة متناقضة وغير مسؤولة حتى يقتنعوا بالإصلاح؟ كما هل يكفي أن يجد الأولياء والتلاميذ والطلبة كتبا ومقررات جديدة تم ارتجالها في بضعة أسابيع لكي يقتنعوا هم أيضاً بهذا الإصلاح؟!

من المحزن والمؤسف أن نصر على طرح سؤال الضمانات على مدرب المنتخب الوطني لكرة القدم بكل إلحاح وإصرار ونعد قبل ذلك كل الشروط والظروف للنجاح، وفي المقابل نترك العبث يعمق أزمة نظامنا التعليمي دون حسيب أو رقيب، فإذا لم يتم إشراك رجال التعليم في الإصلاح وإذا لم يتم تكليف أطرنا التربوية بريادة هذا المشروع دون تدخل السياسيين، وإذا لم يصوت البرلمان “غير المزور” على أرضية هذا الإصلاح، وإذا لم نعرف حتى الشخصيات المكلفة بالمشروع حتى نحاسبها أو الميزانية المرصودة للمشروع حتى نقدرها ولا الأهداف المؤسسية حتى نستنبطها، فأي إصلاح هذا؟ وأي ميثاق هذا؟ وأي وطنية هذه؟ إننا بهذا أمام حرب قذرة تستهدف الإنسان المغربي في هويته وعقيدته ووعيه تساهم فيها مختلف القطاعات الإعلامية والإدارية والاجتماعية والتعليمية، ونحن كذلك أمام عمل سياسي حزبي ضيق يتحرك من مدخل التعليم والتربية ولا يتوفر على أي شرعية أو إجماع وطني، كما لم يحدد لنفسه أفق التقويم والمحاسبة، فها نحن نختم تجربة التعليم الأساسي التي ابتدأت سنة 1985 دون أن نقف على تبعاتها وتقويمها، وهو نفس مصير هذه التجربة الحداثية التوافقية، إذا لم يقف الشعب والنخبة الملتزمة و المسؤولة في وجهها بكل الوسائل مطالبين بالضمانات وأفق المحاسبة والتقويم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>