افتتاحية : أية تنمية بدون إسلام


 

لا نريد أن نتكلم في هذه العجالة بلغة :

ü الغلبة والتشفي والشماتة، فنقول : {إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الفَتْحُ وإنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وإنْ تَعُودُوا نُعُد}(الأنفال : 19) لأن مثل هذا الكلام لا يقدر على قوله إلا الله تعالى الغالب على أمره، والقادرُ على نصر عباده، هذه أولا، وثانيا أن الله تعالى لا ينصر من اغترَّ بكثرة جنده، أو أتْباعه، أو ماله، فالذين أهلكهم الله تعالى كلهم إمَّا مِمَّنْ قالوا : أنا أكْثَرُ مَالاً وأَعُزُّ نُفَراً، أو أعزُّ نادياً، أو أُتِيتُه -المالَ- على عِلْمٍ عِنْدِي، إلى غير ذلك من كلمات التفرْعُنِ والطغيان.

فالمسلمون لا يُنصرون إلا إذا كانوا مظلمومين ظلما بيّنا صارخا في النقطة الكبيرة التي هي العنوان الحقيقي لإنسانية الإنسان، وهي “المسُّ بدِينِه” تضييقاً عليه، أو تشويهاً له، أو استعداءً عليه، أو منعاً له من الدّعوة إليه، أو تظاهراً بالملإ وحواشي الملإ من المتزلفين والمتملقين.. لأن المسَّ بالمسلمين المظلومين هو مسٌّ بدين الله الذي جعل اللُّهُ كلمتَه هي العليا ولو كره الكافرون والمنافقون والمائعون والماسكون بالأذيال.

ولقد كانت مسيرة صلى الله عليه وسلمالبيضاءرضي الله عنه يوم 12 مارس 2000، مسيرة المظلومين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم ومدنهم وقراهم، ليقولوا ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)) عليها نحيا، وعليها نموت، وعليها نؤسس الأسرة الطاهرة، وعليها نربي البنت الزكية، والأخت الطيبة، والزوجة الطاهرة، والأم التي جعل الله عزّ وجل الجنة تحت قدميها.

إنها كانت بحق مسيرة الدفاع عن النفس المؤمنة، مسيرة الدفاع عن الوطن المؤمن، مسيرة الدفاع عن اللغة المؤمنة، مسيرة الدفاع عن الأسرة المؤمنة التي جُيّشَتْ لها مؤتمرات نَيْروبي، وبكّين والقاهرة وغير ذلك لمسخها وتقْريدِها وخَنْزرتِها، فكانت رَمْيةً من الله تعالى أخسأت النفوس، وأكْلحت الوجوه، وأخْسَرَتِ الموازين، فهي الرّمية الربانية الأولى في الألفية الثالثة بهذا البلد التي ستكون إن شاء الله تعالى ألفية الصحوة الإسلامية الهادية، فليحذر المسلمون من الاغترار، فالطريق طويل وشاق لا نهاية له إلا في جنان الله تعالى ورضوانه.

ü ولا نريد أن نتكلم بلغة الديمقراطية، فنقول : إذا كنتم تؤمنون بإرادة الشعوب، فالشعب المغربي قال كلمته بأوضح بيان، فلماذا لا تصدّقون وتتنازلون وتَنْسَحِبون كما ينسحب الفاشلون في كل الدنيا الديمقراطية بشرف نفس وعزة ضمير؟؟! هذا القدر من اللغة مازلنا لم نصِل إليه في مشاعرنا المتخلفة، وسياستنا المتدهورة، وديمقراطيتنا المهزوزة، وعندما نصل نكون قد قطعنا الشوط الأكبر من القفز نحو التقدم والرقي والتحضر الاجتماعي والنفسي.

ü ولا نريد أن نتكلم بلغة التجهيل فنقول : كيف يجرؤ شباب لا عِلْم لهم، ولا وعْيَ، ولا تاريخ، ولا رصيد، على الطّعْنِ في علماء الشريعة عَاشُوا داخل الأحزاب عقود وأجيالاً، فينعتونهم بأنهم ارتدُّوا وخرجوا عن المبادئ، فهل هناك مبادئ بالنسبة للعَالِم أهم من مبادئ الإسلام وعقائده؟؟ إنه العجب العجاب أن تنقلب الموازين، فيصبح العالِم المقتدى به ذَيلاً تابعاً لمن لا بصيرة له، ولا مرجعية له، ولا علم له، تلك هي الطامة الكبرى أن يُذَلَّ العلم وأهلُه، ويسود الجهل وأهلُه.

كل هذه اللغات لا تجدي ولا تنفع في التحضير لمشاريع المستقبل المنبعثة حقيقة من قلوب يشغلها هَمُّ الوطن ومصلحته، وهمُّ الأمة ومصلحتها. فنقول بلغة الشرف والغيْرة :

إن المعروف والمتداول والمكتوب عن مسيرة الرباط أنها مُوّلت -بعضا أو كلا- من خارج الوطن، ومن جمعيات ومؤسسات لا تتصدَّق لوجه الله تعالى، فهل مشروع خطة التنمية المموَّل من الخارج، ومشروع التعليم المستورد من الخارج يمكن اعتبارهما مشروعين وطنيين لحما، ودما، ولسانا، وروحا، وهدفا، وتنمية، واقتصاداً؟

المشروع الوطني لا يمكن أن يكون وطنيا حتى يكون واضعوه رجالا وطنيين مستقلين أحراراً، وحتى يناقشه الوطنيون الصادقون، ويصادق عليه أولو الأمر من مختلف الفعاليات الصادقة، وحتى يموَّل بثروات المغرب وعرَق أفراده كل على قدر استطاعته، وحتى يَكُون منبثقا من منطلقات المغرب ومُسَلّماته : والدينُ، واللغةُ، والتاريخ، والشريعة والأخلاق الإسلامية من المسلمات التي لا يناقش فيها إلا الخائن لله والرسول، والأجير للشيطان.

فأي تنمية للشعب بدون إسلام؟ وأية تعبئة له بدون إسلام؟ وأي تقدم يُرجى للمرأة في غير الإسلام؟

في أي شرع، أو عقل، أو فكر بصير، أو عُرف معترف به دينا وشرعا وعقلا، وُجد أن المرأة لا يمكن أن تتقدم وتتطور وتترقى إلا إذا تعرَّت وتجرّدت من إنسانيتها المحترمة، وكفرت بالله تعالى وبجميع القيم الإنسانية الأصيلة؟! وهل هؤلاء يُكْرمونها عندما يعرُّونها فيأكلون لحمها ويرمون عظمها؟! وعندما يُعَنِّسونها ويحرِمُونها من نعمة الولد والزوج!.

إن الأمر خطير جداً، وأخطر ما فيه التشطيب بجرة قلم مكسور اللسان والقلب على تاريخ المغرب بحضارته ومبادئه ورجاله كأننا لقطاء لا نَسَبَ لنا في التاريخ. أعيدوا الحساب والمراجعة والتخطيط، فمشروع التكفير ليس مشروعا، ومشروع التمييع ليس مشروعا، ومشروع تنشئة الأجيال المستعبَدة روحاً وفكراً وعقلاً واقتصاداً وأخلاقا ليس مشروعاً.

والرجوع للحق خير من التمادي في الباطل، والتائب من الذنب كمن لا ذَنْب له.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>