الجريمة : أي واقع وأية أسباب وحلول؟


الجريمة : أي واقع وأية أسباب وحلول؟

أصبح المواطن المغربي يعيش هذه الأيام هاجس خوف شديد وحيطة وحذر كبيرين، سواء في منزله أو خارجه في الشارع أو في مؤسسة العمل، وسبب ذلك راجع إلى ارتفاع معدلات ارتكاب الجريمة وحوادث القتل والإهانات،وهذا المقال يحاول الكشف عن مظاهر هذه الظاهرة الأخلاقية السلبية والخطيرة، وعن أسبابها الحقيقية، فما هي مظاهر الجريمة في المجتمع المغربي؟ وما هي أسبابها؟ ثم هل إلى مخرج من سبيل؟

I- مظاهر الجريمة في المجتمع المغربي     إن المتتبع للأخبار اليومية سواء الرائجة على ألسنة العامة، أو المنقولة عبر أجهزة الإعلام الوطنية المختلفة، أو المتتبع للقضايا المعروضة على القضاء، ليحس فعلا بمرارة العيش، وتردي كرامة المواطنين، ولا يملك سوى التنديد، وترديد كلمة : ” اللهم إن هذا منكر”، وهي كلمة تعبر في ديننا الحنيف عن أضعف الإيمان وتعبر في ذات الوقت عن رفض صارخ وشجب حقيقي لواقع أصبح ينضح بترهل ظاهرة الإجرام، وبشتى أنواعه وصنوفه، من اعتداءات بالسرقة للبيوت على طريقة الأفلام والمسلسلات الغربية، إلى قطع الجيوب والأكمام والأعناق في الحافلات، والأماكن العمومية المزدحمة، أو في المواقع الخالية وشبه الخالية، هذا فضلا عما يحدث من اغتصاب للأعراض وهتك لعورات الفتيات في الشوارع أو أبواب المدارس دون أي إحساس بحرمة مؤسسات العلم أو شعور بكرامة الإنسان، فبالأحرى الخوف من الله الذي لا يخفى عليه شيء.

إضافة إلى انتشار ظاهرة اختطاف الذمم كالأطفال والفتيات بل وحتى النساء ذوات المحارم والمحصنات، ويبلغ الأمر أحيانا إلى تهديد عائلات المختطفين… الخ.

وأعجب من هذا أن كل ما ذكر يتم أحيانا كثيرة على علم ومسمع من رجال الأمن  (سنرى لاحقا لماذا هذا).

ولم تقف مظاهر الجريمة في هذه الإعتداءات الفردية والأحداث التي تقع هنا أو هناك، وإنما تطور الأمر إلى تكوين عصابات اجرامية محترفة ومتخصصة في عمليات النهب والإختطاف والإغتصاب والإغتيال، وهي عصابات ذات خطط مدروسة ومنسقة، وتتوفر على خلايا وشبكات عالية التطور.

وإزاء هذا الوضع أمسى المواطن لا يأمن على نفسه من أي مباغتة في أي لحظة سواء مست نفسه أو ماله أو عرضه أو أبناءه، هذه الأمور التي اعتبرتها شريعتنا الغراء من الضروريات الواجب الحفاظ عليها، وصَوْنُها من الضياع والإفساد، وأَوْكَلَتْ لولاة الأمور مهمة الدفاع عنها وحمايتها، ومعاقبة المجرمين الذين يحاولون انتهاك حرمة هذه الضروريات بأقصى العقوبات زجرا لهم، وعبرة لمن في طريقهم.

وإذا لم تصن هذه الضروريات فأي كرامة تبقى للمرء؟!

بل وأي مواطنة؟! ونحن إذ نذكر هذه المظاهر الفاحشة نعلم أن لها أسبابا عدة : منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي، فما هي أهم هذه الأسباب؟

II- أسباب ظاهرة الجريمة :

أ- الأسباب الذاتية :

1- أسباب نفسية : تؤكد بعض الدراسات الميدانية والنظريات في علم الإجرام أن جنوح بعض المجرمين نحو الجريمة يعود إلى أسباب نفسية واضطرابات في السلوكات تكون ناتجة إما عن فشل دراسي أو علائقي أو مهني أو… الخ. يفعل في المجرم فعله نحو التأثر والإنتقام، فترتفع لديه الروح العدوانية ومقت الآخرين.

2- ضعف الوازع الديني : لاحظت دراسات أجريت على عينات من المجرمين مظاهر متعددة لضعف التدين لدى هذه الفئات، من عدم الخوف من البارئ إلى عدم أداء الفروض الدينية، إلى الفهم المنحرف لبعض قواعد الدين إلى الجهل التام بمبادئ هذا الدين، سواء منها على مستوى العبادات أو المعاملات، مما يفقد المجرم رؤية سليمة لكل فعل أو قول يصدر عنه، كما يفقده النظر الشرعي القويم لجميع السلوكات والعادات الفردية والإجتماعية، مما يؤدي إلى شيوع سلوكات منحرفة لا شئ يبرزها إلاضعف الوعي الديني والإلتزام الخلقي، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية الدين في تقويم السلوك وتهذيب النفوس وتكوين رجال صالحين للقيام بأي دور إنساني.

3- أسباب تربوية : وفي هذا السياق تؤكد أيضا الدراسات على عامل آخر في النزوع أكثر نحو الجريمة، ويكمن هذا العامل في عدم خضوع بعض أفراد المجتمع لتربية سليمة، تشخص طباعهم وخصائصهم النفسية، وتراقب سلوكاتهم مراقبة مستمرة بقصد تشخيص الأمراض وتحديد السبل العلاجية. أو أن بعض المجرمين كان قد تلقى نوعا من التربية لم يؤهله إلى الإندماج في الحياة الإجتماعية بكيفية سليمة، الأمر الذي يخلق حتما أنماطا من شخصيات غير سوية، بل وميالة إلى الإنحراف، والعنف وكراهية الغير، في مقابل تضخم الذات وحب السلطة… وهي مظاهر، كما يبدو، فرضية تعبر عن فقدان التوازن النفسي، والذوق الإجتماعي السليم، والمعايير الأخلاقية الصحيحة.

ب- الأسباب الموضوعية :

وهذه الأخيرة تتداخل مع الأسباب الذاتية تداخلا ماهَوِيًّا وجوهريا باعتبار تداخل الذاتي والموضوعي فيما هو إنساني، وفي هذا السياق، ومن حيث ما هو إجرائي، نفصل المسألة ونذكر من الأسباب الموضوعية ما يلي :

1-تفشي البطالة  : يعلم الجميع حجم البطالة في المغرب، إذ أغلب المواطنين منضم إلى جيش البطاليين والعاطلين!! ولا يخلو بيت مغربي من غير أن يكون لديه فلذة كبد أو فلذتان أو أكثر منضمة إلى جيش القوات المسلحة للعاطلين!! واستفحال هذه الظاهرة راجع بالأساس إلى غياب برنامج حكومي واضح بل وجاد لتشغيل هذه الفئات الشابة العريضة، وتأهيلها للحياة الإجتماعية والمهنية. مما يدفع بهذه الفئات -بعد اليأس من العمل- إلى الإنتحار وسط العمل الإجرامي، الذي يصبح المصدر الوحيد للرزق، أو مجالا للثأر وإفراغ شحنات الغضب والسخط والعدوانية تجاه كثير من الأبرياء. ولقد تناولت دراسات اجتماعية ونفسية دور البطالة في الجنوح نحو الجريمة، ويكفي الرجوع اليها في مضانها.

2- انتشار المخدرات : غير خفي على أحد الإنتشار الواسع لاستعمال المخدرات والمواد الكحولية، في اوساط الشباب والأحدات (صغار السن) على السواء. وغير خفي على أحد أيضا ما لهذه الظاهرة من أثر في تطعيم شرايين الجريمة، وإمدادها بالأيدي العاملة (المجرمين). ولقد كشفت دراسات عدة عن اقتران الجريمة بالمخدرات، مؤكدة أن معظم المجرمين بل وكبارهم هم من أكبر مروجي المخدرات والمواد الكحولية، والمدمنين عليها بصورة فاحشة. ونعتقد أن هذه المسألة لا تحتاج إلى زيادة تعليق أو توضيح.

3- انتشار الجهل والأمية : لايزال الشعب المغربي يعاني من ارتفاع في نسبة الجهل والأمية، هذا الإرتفاع يصاحبه ارتفاع في نسبة الجهل بأصول ومكارم الأخلاق، بل وضعف الشعور بالكرامة والحرية، الأمر الذي يجعل ارتكاب الجريمة في نظر الأوساط الأمية أمرا غير معيب بل وعاديا، كما أن موقع الأمي الجاهل في الهرم الإجتماعي يجعله يشعر بالدونية، وينظر إلى ما هو فوقه وأعلى منه مرتبة نظرة عداء ومقت، وليس نظرة الأخوة والمواطنة والإنسانية، وهكذا تتفاعل هذه المعطيات لتزج بهذا الأمي إلى عالم العداء للآخرين، والإنتقام، والثأر لذاته.

4- استفحال ظاهرة الرشوة : أصبحت الرشوة مرض العصر في الإدارات العامة والخاصة، وغذت لغة كل منعدم الضمير. وتعتبر الرشوة عاملا من عوامل استفحال الجريمة، فبقدر انتشارها تنتشر الجريمة، فالمجرم وهو يرتكب أفحش الجرائم تلقي عليه الضابطة القضائية القبض، فيدخل من الباب الأمامي ويخرج من الباب الخلفي ليلقاك على التو قائلا لك وقد حدَّقَت عيناه فيك :<<ديتك فلوس>>.

لهذا لاحظ الدارسون، أن مثل هذا الواقع يضعف قوة الأمن في نفوس فئات المجرمين، ويُسقط هيبة الدولة، ما دام المجرم قد ابتلع القضاء والشرطة في جيبه، وملأ بطونهم الفارغة! وأحيانا يلجأ إلى توزيع الحصص بالقسط بينه وبينهم!

ولذا فكم شاهد المواطنون -وبألم وحسرة- سرقات في محطات السفر، واعتداءات بشعة أمام رجل الأمن، وهو يتفرج كغيره من المواطنين ولا تحركه أي غيرة وطنية أو مسؤولية.

وكيف سيتحرك وقد جمدته تساقطات ثلوج الرشوة، التي سكنت <<شهوته الغضبية>> كما سماها أفلاطون فيلسوف اليونان قديما.

وأيا ما كان السبب ذاتيا أو موضوعيا فإن التداخل بينهما كبير وملحوظ، وقد تتفاعل جميع الأسباب أحيانا، وقد تكفي واحدة منها فقط، لتصنع من شاب يزخر خيرا، مجرما ينضح شرا أينما توجهه لا يأتي بخير.

ولذلك فإذا كانت هذه هي أهم الأسباب فكيف العمل لتجاوز هذه الأزمة/ الظاهرة؟

III حلول لتجاوز واقع الجريمة :

يبدو أن التفكير في أي حل لأزمة استفحال ظاهرة الجريمة ينبني على خطوتين :

الأولى : اقتلاع ما سلف من أسباب اقتلاعا جذريا من شأنه أن لا يترك مجالا لنموها أو حتى ظهورها.

الثانية : وتقوم على عدة عمليات مكملة للأولى منها :

1- توفير العمل للجميع.

2 توفير جو تربوي إسلامي سليم متمركز حول خوف الله ورجائه، وتربية الشعور بدوام مراقبته.

3- تشجيع العمل والدراسة، وتعميم التعليم.

4- تطهير المؤسسات الإدارية من مظاهر الإرتشاء وانعدام المسؤولية، ووضع المواطن الصالح في المكان المناسب حتى يستشعر الكل أنه راع وأنه مسؤول عن رعيته.

5- محاربة تجارة المخدرات محاربة فعلية تأخذ بيد من حديد على مروجيها والمدمنين عليها فضلا عن بث الوعي الصحي والأخلاقي بأضرارها بجميع الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف.

6- إحياء روح التضامن والتعاون الإسلاميين في نفوس أفراد المجتمع الذي بدأ يفقد حصانته الجماعية مع دخول النزعات الفردانية الغربية، والبرغماتية وشتى فلسفات العبث والتمرد والشذوذ الإجتماعي والأخلاقي.

<<وإنا لله وإنا إليه راجعون>>

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>