الإفتتاحية – الطريق الصحيح الوحيد للقضاء على التطرف


الطريق الصحيح الوحيد للقضاء على التطرف]

اجتمع بتونس وزراء الداخلية العرب في دورتهم الثانية عشرة، وكان : أهم نقطة في جدول أعمالهم هو تدارس كيفية مكافحة الإرهاب، والتطرف، وكيفية التعامل مع التنظيمات المتطرفة، بدفع من وزراء بعض الأنظمة التي لم تعرف كيف تتعايش مع الاسلام.

ومن الواضح الذي لا يحتاج إلى تفسير أو بيان، أن المقصود بالإرهاب والتطرف والتنظيمات المتطرفة، هو الدعوة الإسلامية، والجماعات الداعية إلى الله تعالى وتحكيم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ووضع هذه النقطة في جدول الأعمال لدراستها من جميع الجوانب لا يعني إلا شيئا واحداً في عُرف الماسكين بزمام السلطة التنفيذية هو : كيفيةُ تدجين الدعوة واخضاعها للأهواء، وكيفيةُ جعل الجماعات الإسلامية مجرد بغال للسلاطين، يمتطونها كيف شاءوا، ويوجهونها حيث شاءوا، بل لا يكرهون أن يجعلوا منها بوقا يمجّد الأصنام البشرية، ويسبّح بحمد المتألهين. فإذا ما اسْتَعْلَتْ هذه الجماعات بإيمانها، واعتزَّتْ بربها، فالويل ثم الويل لها من وزراء داخليتها الذين يسيطرون على مقاليد الإعلام والعدل لفرض الأحكام وتشويه السمعة. كما أن وضع هذه النقطة للدراسة يُثيرُ عدة تساؤلات :

أولها : هل أصبح الإسلام مخوفاً منه في بلده بين أهله وأتباعه وأبنائه، مع أن الله تعالى جعله أمناً واطمئنانا >وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً< سورة النور : 53، أي يجعل الكافرين الخائفين آمنين بالإسلام بعد الدخولِ فيه، والعملِ بشرعه ومبادئه. فهل أصبح البعض من وزراء الداخلية من الذين لم ينعموا بنعمة أَمْنِ الإسلام، ولم يتذوقوا حلاوة الإيمان برب الإسلام؟! أم هم ينتسبون لإسلام آخر لا تعرفه الدعوة ولا الجماعات التي انتدبت نفسها للدعوة اليه؟؟! علم ذلك عند ربي.

ثانيها : إن الله تعالى أمرنا بإعداد العدة المادية، والقوة المعنوية والإيمانية والعلمية والإقتصادية… لإرهاب أعداءالله، وأعداء المسلمين، فقال : >وَأَعِدُّوا لَهُمُ مَا اسْتَطَعْتُمْ  مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَ الله وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ الله يَعْلَمُهُمْ< -سورة الانفال : 169- فهل أصبح البعض من وزراء الداخلية من الآخرين الذين كان يعلمهم الله تعالى وحده، وكشفهم الله تعالى لنا اليوم، لنعلمهم، يوم نراهم يخططون لمنع الدعوة من الانطلاق في عصر التفتح والصحوة؟! علم ذلك عند ربه.

ثالثها : هل فعلا يعتقد البعض من وزراء الداخلية أنهم بتخطيطهم سوف يستطيعون تغطية شمس الدعوة الربانية بغربال الظلم والفساد والاستبداد؟؟ وهل فعلا يظنون أن الدعاة لله ستخيفهم تخطيطات هؤلاءالعاقين لدينهم، وربهم ونبيهم وأمتهم… لو كان الدعاة لله يخافون من البشر ما استحقوا أن يكونوا دعاة لله الذي بَشَرَّهُمْ بالفوز في الآخرة، والخلود السعيد اذا ماتوا شهداء في سبيل دينهم، خصوصا وأنهم دائما يتلون قول الله ربهم : >ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُومِنِينَ<-سورة آل عمران : 175- فهل وضع البعض أنفسهم في صف المحاربين لله تعالى؟؟ علم ذلك عند ربي.

رابعها : ورد في بعض الأخبار أن بعض الدول المشهورة بالجزع من نور الاسلام قد تقدمت للمجلس بمشروع >مدونة قواعد السلوك< وهو مشروع ظاهره وضع القوانين الضابطة لكُلّ انحراف خلقي ينتشر داخل المجتمعات الاسلامية، وتعويضه بالسلوك والتصرفات الحسنة التي تسعده وتسعد مجتمعه. لو كان باطن هذا المشروع كظاهره، لقلنا : أهلا وسهلا، ولوضع الدعاة يدهم في يد الوزراء، وقالوا : لافرق بين من يخوف من الجرائم بالعصى، وبين من يخوفهم بعقاب الله تعالى في الدنيا والآخرة.

ولكن مع الأسف أن الانحرافات المقصودة والتي من أجلها تقترح هذه المدونة، هي انحرفات] المستقيمين من المسلمين، الداعين إلى ربهم بكلمتهم، وسلوكهم، وتحديهم، هؤلاء هم الذين يحتاجون إلى القوانين الضابطة لخروجهم عن شرع البشر، واحتمائهم بشرع الله.

وجَرِيمَتُمْ الكبيرة هي الجريمة التي من أجلها عوقب أصحاب الأخدود >ومَانَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُومِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ<-سورة الروج : 8- فكان جزاء الناقمين عذاب الحريق، وجزاء الشهداء التكريم الإلهي الخالد.

إذا كان هذا البعض من وزراء الداخلية العرب يريدون حقا القضاء على التطرف، ومكافحة جميع الجرائم والفواحش الظاهرة والباطنة فليقترحوا على دولهم المشروع التالي :

1- اعلان الالتزام بالاسلام عقيدة، وشريعة، وخلقا، وعلاقات، وتوجها، حتى لايكون التناقض بين الاسلام المسجل دستوريا، والمطبق عمليا.

2- تأسيس جهاز دعوي يمارس الحسبة والمراقبة على جميع الشرائح الاجتماعية لافرق في ذلك بين حاكم ومحكوم، ولارئيس ولامرؤوس، فالاسلام ديننا جميعا، وشريعته العدل الذي لايحابي ولايجامل امتثالا لأمر الله تعالى : >ولتكن مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَامُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ<-سورة آل عمران : 104-.

3- اطلاق الحريات اطلاقا تاما من كل قيد منتسب للهوى فالهوى مصدر الفساد والتسلط.

4- اكرام العاملين للإسلام بتشجيعهم على المضي في سبيل ربط المجتمع بدينه وهويته وصبغته.

5- اصلاح الأوضاع التعليمية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية من منظور اسلامي شامل بعيد المدى.

6- تطبيق موازين الله تعالى بإعطاء المسؤولية والأمانة لمن يستحقها من الأكفاء الأمناء وإبعاد المختطفين والمنقضين عليها بغير حق، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : >إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ<.

7- محاربة الجهل بالاسلام، واعلان التعبئة الشاملة لتعلُّمه وتعليمه فهما وتأهيلا وتطبيقا ودعوة. ومحاربة كل متطاول على حرمات الانسان بغير حق، وذلك بتلفيق التهم وكتابة التقارير السرية لنيل الدرجات والترقيات على حساب الضحايا من أبرار هذه الأمة، وهم مصدر الرحمة واللطف الربانيين، اللذين مازلنا نشاهدهما رغم ماينزل الله تعالى بنا من الكوارث والقوارع.

8- فتح أبواب التطوع للجهاد في سبيل الله تعالى والدفاع عن المستضعفين من المسلمين أينما كانوا.

وهل هناك كارثة أعظم من أن يصفى المسلمون في البوسنة والهرسك والشيشان، ومع ذلك تجد العالم الاسلامي بملايينه لايحرك ساكنا مع أن الله تعالى يقول في اليهود >وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ<-البقرة : 60-  عقابا لهم على النكول عن حمل الأمانة، فهل وقع لنا ماوقع لهم؟!

نسأل الله تعالى أن يتداركنا برحمته فيرزق الأمة الصبر على القيود المفروضة عليها فكريا، وشعوريا، وتعبيريا وتحركيا، وجهاديا، وتعليميا، وسياسيا، .. وإلا انقلبت الأمة كلها تغلي بالتطرف المنفلت من كل قيد، وتلك الفتنة التي حذرنا الله تعالى منها : >فَلْيَحْذَرِ الذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ< سورة النور : 61.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>