ضواب العمل الاسلامي(2)


ضواب العمل

الاسلامي(2)

الضابط الاول-1- ضبط المصطلح :

شاع بين العاملين في الحقل الاسلامي مصطلحات تعبر عن الاتجاه البناء الذي ظهر في أوساط المجتمعات الاسلامية من اهمها : >الحركة الاسلامية -الصحوة الاسلامية -الدعوة الاسلامية -العمل الاسلامي….< وكلها تعني أو تؤدي نفس المعنى الذي يرمي وينعت إلى تلك الثلة الخيرة من أبناء المسلمين التي اثبتت للناس كافة وفي العالم أجمع أن هذا الدين وأهله ما زال يحمل في أحشائه مقومات البقاء والدوام إلى ان يرث الله الأرض ومن عليها. فألزمت نفسها بمبادئ هذا الدين، وبذلت ومازالت تبذل كامل جهدها في دفع أبناء المجتمع الاسلامي بل الانساني كله إلى التزام هذا المبدأ الرباني. الدين الخالد الخاتم. الا أن البيئة التي نبتت فيها هذه الثلة لم تكن على استعداد تام لأن تصحو وتتحرك، فخيل  إليها أن صيحة الحركة الاسلامية كابوساً مزعجاً يجب صُّم الآذان، وتغميض الاعين عنها، وفعلا فعلت. ومما زاد في تخويف الناس من هذه الصحوة ما أشاعه أعداؤها عنها من أباطيل وتهم لاتمت إلى الحقيقة بصلة. حتى نعتوها بأبشع النعوت، ووصفوها بأخس الصفات فاطلقوا عليها مصطلحات منها : >الرجعية-التطرف-الظلامية-السلفية الجديدة-لاهوت التحرير-الارهاب- الاصولية….<

ولنقف هنيهة مع كل مصطلح من المصطلحات سواء الموضوعة من قبل أبناء الحركة نفسها إو من قبل أعدائها.

1- الحركة الاسلامية : أن كلمة “الحركة” تعني الانطلاق بعد السكون. وبإضافتها إلى الاسلام تفيد أن الاسلام قد سكن وسبت لمدة ثم تحرك لينطلق بالبشرية إلى ما أراد الله لها من جديد. وهذا الوصف إن جاز أن نصف به المسلمين فلا يجوز أن يوصف به الاسلام، إذ الاسلام حامل لحيويته وحركيته في أحشائه، ولا يمكنه أن يتوقف أو يسكن. أما المسلمون فقد يضعفون ويسكنون كما وقع عمليا في التاريخ. وعليه فيجب الفصل بين صفات المبدإ وصفات حاملي المبدإ فقد يكون المبدأ حيا قويا عظيما. وحامله ضعيف ساكن حامل كما تعرض له المبدأ الاسلامي في فترة من تاريخه. وقد يكون العكس كما شهد التاريخ لحملة المبدإ الشيوعي مثلاً في فترة من التاريخ حيث كان المبدأ يحمل في أحشائه بذور فنائه، لكن تحمله رجال طبقوه في الواقع وأقنعوا به جماهير غفيرة من الناس.

ولا يغيب عن الذهن رغبة كل إنسان وخصوصاً المسلم في التميز عن غيره من الناس والتنظيمات والاتجاهات، في المفاهيم والممارسات والمظاهر والأشكال ومنها المصطلحات. فمصطلح >الحركة< استعملتها كثير من التجمعات والتنظيمات. كالحركة الشعبية- والحركة الديموقراطية-والحركة الدستورية… وغير ذلك.

2- الصحوة الاسلامية : قال ابن منظور > الصحو ذهاب السكر وترك الصِّبا والباطل< ولا يستعمل إلا في ذهاب السكر عن الانسان، وذهاب الغفوة عن قلب الانسان قال : > يقال : صحا قلبه، وصحا السكران من سكره< وحتى يؤكد استعمال هذه اللفظة لهذا المعنى فقط قال : > وصحا السكران لاغير< يعني أنها لا تستعمل في غير هذا الاستعمال. وهو ما أكده الرازي في مختار الصحاح. قال : > صحا من سكره< فالكلمة إذن لا تستعمل غالبا إلا في الصحو من السكر. فهل كان الاسلام سكراناً حتى نقول عنه أنه قد صحا، معاذ الله، نعم قد تصرف الكلمة إلى غفوة القلب وغفلته وإلى نوم الإنسان ونعاسه وهذا وارد لغة. قال ابن منظور : >غفا الرجل غفوة، إذا نام نومة خفيفة<(1).

وهذا الوصف سواء >صحو السكران. أو غفوة النائم الخفيفة< إن صح أن يوصف به المسلمون فلا يليق بمقام الاسلام أن يوصف بالصحو بعد السكر أو بالنوم ولو قليلا.

نعم لقد شاع هذا المصطلح >الصحوة الاسلامية< بين الناس، أبناء الصحوة وغير أبنائها، فاستعمله كبار المنتمين إليها ومنظروا عملها وسيرها. كالدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ الغزالي، والدكتور سعيد رمضان البوطي، والاستاذ محمد قطب، والشيخ محمود شاكر. إما في مؤلف خاص أو في أثناء مقالاتهم وثنايا كتبهم،  كما استعمله خصومها اما مجاراة لابنائها أو تنقيصا من قدرها أحياناً، كما جاء على لسان أحد اليساريين ما نصه : >إن الصحوة الاسلامية المزعومة لا تستحق تسميتها، فليست صحوة، بل موجة رجعية تنخرط في استمرار تسلط فكر عصور الانحطاط التي سبقت الغزو الرأسمالي<(2)

3- العمل الاسلامي : لا يخفى على أي مسلم أن مسمى الاسلام يشمل الايمان العقدي القلبي، والعمل الجارحي أيضاً. ولا يجوز الفصل بين الايمان القلبي والعمل بالجوارح في المفهوم الاسلامي السليم. واذا سلمنا بمصطلح >العمل الاسلامي< فقد ينصرف المعنى إلى القسم العملي من مفهوم الاسلام حتى يشيع بين الناس أن المطلوب والمأمور به هو الجد والمثابرة والاجتهاد في الميدان العملي، الشيء الذي قد يوجد هوة وفراغاً بين قسمي المفهوم الاسلامي الصحيح فنقع في نفس الخطإ الذي وقعت فيه بعض الفرق الاسلامية قديماً، عندما ركزت على الجانب الايماني، واهملت الجانب العملي من مفهوم الاسلام فشاع بين المسلمين منذ ذلك التاريخ إلى الآن أن الايمان القلبي كاف لنيل رضا الله والفوز بجناته. حتى قالوا : >لا تضر مع الايمان معصية< إذن فاذا ركزنا على الجانب العملي من المفهوم الاسلامي مع غض الطرف عن الجانب الايماني. فقد يظهر من يقول بتبرير المواقف والممارسات التي لا تنسب ولاتنبني على الشرع الاسلامي بدعوى الظروف والظغط والحاجة والضرورة أوبدعوى مسايرة العصر حتى نصل إلى مبدإ >الغاية تبرر الوسيلة< وبالتالي فقد تقع الدعوة الاسلامية في جرائم وفواحش لا تقبل شرعاً. وتؤول و تبرر بضغط الظروف والواقع.

من هنا لزم التنبه إلى أن مسمى الايمان والعمل لا ينفصلان عن بعضهما، وأن العمل  ان لم ينبثق من اعتقاد إيماني قلبي عميق ويوافق شرع الله تعالى ويسير حسب روح التشريع الاسلامي ، فلا يجوز نسبته إلى  الاسلام، بل ولا يسمح بتوسيخ الخط الاسلامي بمثل هذه المفاهيم والتأويلات والتبريرات التي قد تلحق لوثة بالعاملين المخلصين في حقل الدعوة الاسلامية.

4-الدعوة الاسلامية : لو اختارت الحركة الاسلامية لنفسها ما اختارت من الاسماء والنعوت فانها تبقى قاصرة تبعا لقصور علم الانسان وادراكه.

لذا يلزم الرجوع الى مصدر العلم الحقيقي ومنبع المعرفة اليقينية : الله عز وجل الذي تولى سبحانه بنفسه هداية الناس وارشادهم الى ما ينفعهم ويصلحهم في الدنيا والآخرة. وذلك عن طريق الوحي الذي اوصله اليهم عبر مجموعة من الرسل والانبياء عليهم الصلاة والسلام، آمراً أولئك الرسل بتوجيه الناس وإرشادهم إلى الهدف المنشود من إيجادهم. مستعملا جل وعلا مصطلحا خاصا في تكليف أولئك الرسل ومن سار على نهجهم بالقيام بهذه المهمة. ألا وهو مصطلح >الدعوة< قائلا سبحانه لرسوله الكريم محمد (ص) : >ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّّّّّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ<(3) وآمرا إياه أن يعلنها صرخة مدوية في الآفاق : >قُلْ هَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَى اللَّهِ< (4) ثم مخبرا سبحانه عن محمد (ص) وواصفاً إياه في قوله : >وَإِنَّكَ لَتدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ< (5)… ثم حاصرا القول الحسن، والعمل الجميل في الرجال الذين تحملوا مهمة الرسل فقاموا بالدعوة قائلا سبحانه : >وَمَنْ اَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّّّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ< (6). ومكلفاً أمة سيدنا محمد (ص) والبعض منها بالقيام بهذه المهمة >مهمة الدعوة< وإلا أثمت كلها إن فرطت في أمر الله الوارد في سورة آل عمران >وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالمَعْرَُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ< (7).

إذاً فمصطلح >الدعوة< هو المصطلح القرآني المناسب لاختيار الله له من جهة، ولتعبيره الدقيق والشامل لكل المفاهيم من جهة ثانية. بل ولكل الإتجاهات والإجتهادات والتكتلات التي تعمل للإسلام بأي اسم كانت، حيث أن هذا المصطلح عام لا يمكن لأي جهة الإختصاص به ولو تسمت به، ومع ذلك نبقى مع المبدإ القائل : >لا مشاحاة في الإصطلاح< مع عدم نسيان أن لكل ميدان وكل فن أدواته ومصطلحاته تدل على مبادئه ومفاهيمه وتميزه عن غيره من المبادئ والمفاهيم…

1- انظر لسان العرب. “غفا” ص 1003

2- مجلة المستقبل العربي مقال : الاجتهاد والابداع والثقافة العربية أمام تحديات العصر ص 45 ع 3 سنة 1990

3- سورة النمل : 125

4- سورة يوسف : 108                 5- سورة المؤمنين : 73

6- سورة فصلت : 33                    7- سورة آل عمران : 104

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>