الأمراض القاتلة للأمة : أ- فاحشة الزنا


الأمراض القاتلة للأمة :   أ- فاحشة الزنا

> أ. ع

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال : أقْبَلَ عليْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : >يامعشر الأنصار، خمْسٌ إن ابتُليتُم بهن، ونَزَلْنَ فيكم -وأعوذ بالله أن نُدْرِكُوهُنَّ- :

1- لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطُّ حتى يُعْلنُوابها، إلاَّ فشا فيهم الطَّاعُونُ، والأَوْجَاعُ التي لم تكن مضتْ في أسْلاَفهم الذين مضَوْا.

2- ولم يَنْقُصُوا المكيالَ والميزَانَ، إِلاَّ أُخِذُوا بالسِّنِينَ، وشدَّةِ المؤُونَةِ، وجَوْرِ السُّلطانِ عليهم.

3- ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهِم إِلاَّ مُنِعُوا القَطْرَ مِن السماءِ، ولولا البهائم لَمْ يُمْطَرُوا.

4- ولم يَنْقُضُوا عَهْدَ الله وعَهْد رسوله إِلاَّ سَلَّطَ اللَّه عليْهِمْ عَدُوّاً منْ غَيرهم، فأَخَذَ بعضَ ماكَانَ في أيْديهمْ

5- ومالمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُم بكتابِ اللهِ، ويَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُم بيْنَهُمْ< أخرجه ابن ماجه في الفتن، 2/1332، والحاكم في المستدرك 4/540 وغيرهما].

إنها النبوة الحريصة على أمَّتِهَا والمحذِّرةُ لَهَا أَن تَأْخُذَ بأسْبَابَ العَطَبِ فَتَشْقَى، تَفْقِيهاً منه صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِهِ بقانُونِ السَّبَبِيَّةِ الذي بنَى اللَّهُ كَوْنَهُ عَلَيْهِ وجَعَلَهُ قَانُوناً صَارِماً لاَيَرحَمُ أَحَداً، فنَتَائِجُهُ تترتَّبُ وإن لمْ يقصِدْهَا المُسَبِّبُ، ويَكُونُ مَسْؤُولاً عَنْهَا وعَنْ عَوَاقِبَهَا وإن لَمْ يَقْتَرِفْهَا.

فهذا الحديثُ الذي بين أيدينَا، عَلَمٌ من أعلام نُبُوَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم لم تَحْدُثْ بعضُ مضامينه ولمْ تَقَعْ إِلاَّ في عَصْرِنَا الحالِي، ممَّا يَزِيدُ المؤمنين اطْمِئْنَاناً أَنَّهُمْ على الحَقِّ، ويَدْعُو غَيْرَهُمْ إلى اعْتِنَاقِ هذا الحقِّ وتَقَبُّلِهِ.

فقد حذَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ من خمس خِصالٍ، هِيَ أَصْلُ كُلِّ البَلاَيَا والأدْوَاءِ التِّي تُصابُ بِها الأُمَمُ، ودَاءٌ وَاحِدٌ مِنْهَا كَافٍ في نَسْفِ الأَمَّةِ، واسْتِئْصَالِ شأْفتِها، وجَعْلِهَا تتراجَعُ عَنْ مَعَاقِدِ العِزِّ، إلى حضِيضِ الذِّلَّة والمهَانَةِ فمَا بَالُكَ بِهَذِهِ الأَدْوَاءِ إِذا اجْتَمَعَتْ كُلُّهَا.

1- وأوَّلُ هَذِهِ الأدواءِ التي حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم أمّتَهُ، دَاءُ الزِّنَا، وهو موبِقَةٌ الموبِقَاتِ، وبَرِيدُ النَّارِ، وأساسُ هَدْرِ كَرَامَةِ الإنسان، وجعله يَهْبط إلى مستَوَى الحيَوانِ. وقد اتفقت الشرائعُ السماويةُ على تحْريمِه وتَبْشِيعِهِ، واستِقْذَارِهِ، ولا يَسْتَحِلُّهُ إِلاَّ مَن لاَيرْجُو لِقَاءَ  الله، ولا يُبالي باليَوْمِ الآخر، لما يُؤَدّي إليْه من اسْتِحْلاَلِ الأبْضَاعِ المُحرّمَةِ، واخْتِلاَطِ الأَنْسَابِ، وانْتِهَاكِ الأَعْراضِ، وعَدَمِ مَعْرِفَةِ الفُرُوعِ لأُصُولِهَا. هذه المعرفَةُ التي يَنْبَنِي عليها التعَاوُنُ والتعاطُفُ، وتوثيقُ حِبَالِ المودَّة، والصِّلَةِ بين الأَقَاربِ، الذينَ تتَكَوَّنُ مِنْهُمْ البُيُوتُ ثُمَّ المُجْتَمَعُ.

وتحريمُ الزِّنَا، هُوَ عَيْنُ الحفاظِ على الأنساب والأعراضِ، وقد اتفقت الشرائع على أنَّه من الضروريَّاتِ الخمسِ، التي يَجِبُ حِفْظُهَا.

واشَاعَةُ الزِّنَا، واستِحْلاَلُهُ، يُسَبِّبُ الانحلال الخلقي، ويقتل الغَيْرة المحمودة التي مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسَهُ ورَبَّهُ، وعِبَادَهُ المُؤمنِينَ. ففي صحيح مسلم ، 4/2114، من حديث ابن مَسْعُودٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لاَأَحدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، ولِذَلِكَ حَرَّمَ الفواحشَ ماظَهَر منها ومابَطَنَ، ولاأَحَدَ أَحَبَّ إليه المَدْحُ من اللَّهِ، ولِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ<.

وعنده من حديث أبي هريرة مرفوعاً : >إنَّ الله يَغَارُ، وإن المؤمنَ يَغَارُ، وغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ المُؤمِن مَاحَرَّمَ اللَْهُ<.

وفي صحيح البخاري -بالفَتح- 12/181، عن المغيرة قال : قال سعدُ بنُ عبادةَ، لو رأيتُ رجلاً مع امْرَأَتِي، لَضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ (بفتح الفاء وكسرها) فَبَلَعَ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أَتَعْجَبُونَ من غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، واللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي<.

وهذه الغيْرَةُ، يَنْبَغِي تَشْجِيعُهَا واحْتِرَامُهَا، وتَنْمِيةُ رَصِيدهَا في النُّفُوسِ، ويدُلُّ على ذلك حديث جابر في البخاري -بالفتح- 9/231، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : >دَخَلْتُ الجنةَ، فَأَبْصَرْتُ قَصْراً، فقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا؟ قالوا : لِعُمَرَ بنِ الخطابِ، فأرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي إلا عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ ياعُمَرُ، قال عُمَرُ : يارسولَ اللَّه، بأبي أنتَ وأمي، أوَعَلَيْكَ أَغَارُ..؟!

هذه الغَيْرَةُ -التي هيَ وصْفُ كَمالٍ- هي التي حفِظتْ للإنْسَانِيَّةِ أَوَاصِرَها، وأبقَتْ على أخْلاَقها، وأرْسَتْ استِقْرَارَها، وقد جَبَلَ الله تعالى عليها حتَّى الحيواناتِ التي لَمْ تُكَلَّفْ، فَكَيْفَ بالإنْسَانِ المكلَّفِ المكرَّمِ المُسْتَخْلَفِ.

ومِن أَطْرف مايُذْكَر في غَيْرةِ الحيواناتِ، ماأخرجهُ البخاري في صحيحه -بالفتح- 7/190-191، في مناقبِ الانصارِ، باب القَسَامَةِ في الجاهليَّة، من حديث عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قال : >رَأَيْتُ في الجاهليَّةِ قِرْدَةً اجتمَعَ عليها قِرَدَة قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ<.

قال الحافظ في الفتح : >وقَدْ سَاقَ الإسْمَاعِلِيُّ هَذِهِ القِصَّةَ من وجْه آخر مُطوَّلَةً… عن عمرو ابن ميمون قال : >كنتُ في اليمَنِ في غَنَمٍ لأَهْلِي، وأَنَا على شَرَفٍ -المحل العالي- فجاء قِرْدٌ مع قِرْدَةٍ، فتَوَسَّدَ يَدَهَا، فجَاءَ قِرْدٌ أَصْغَرُ منهَا فَغَمَزَهَا، فَسَلَّتْ يَدَهَا من تَحْتِ رَأْسِ القردِ الأَوَّلِ سَلاًّ رَقِيقاً وتَبِعَتْهُ، فَوَقَعَ عَلَيهَا وأَنَا أَنْظُرُ، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَجَعَلَتْ تُدْخِلُ يَدَهَا تَحتَ خَدِّ الأوّل بِرِفْقٍ، فاسْتَيْقَظَ فَزِعاً، فَشَمَّهَا فَصَاح، فَاجْتَمَعَتِ القُرُودُ، فَجَعَلَ يَصِيحُ، ويُومِئُ إِلَيْهَا بِيَدِهِ، فَذَهَبَتْ القُرودُ يمنةً ويسرةً، فَجَاؤوا بِذَلِكَ القِرْدِ -أعْرِفُهُ- فَحَفَرُوا لَهُمَا حُفْرَةً فَرَجَمُوهُمَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجْمَ في غَيرِ بني آدَمَ<.

قلْتُ : وهذه الغيرةُ، قد تَفْقِدها في بعض بني آدم، ومن العَجَبِ أن تَلْجَأَ الحَيَوَانَاتُ لِتَطْبيق حَدِّ الله في الزنا على من زَنَا مِنهم، والمكلفون من بني جلدتنا، يَعْتَبِرُونَهُ وَحْشِيَّةً وتخلُّفاً، فَسَنُّوا للزِّنَا قَوانِين تُقَنِّنُهُ وتُشَجِّعُهُ، فابْتَعَدُوا بذلك عن الذَّوقِ والشَّرعِ.

هذه الغيرة والنَّخْوَةُ، هي التي تَعْمَل الصهيونيةُ اليوم على اقتلاع جُذُورِهَا، وقَتْلِهَا في مكامنها، واغْتِيالِها في مَهْدِهَا، ووَأْدِهَا حَيَّةً بَعدَ بُزُوغِ قَرْنِهَا، فإذا فُقِدَتِ الغَيْرةُ، وانحلَّتِ الأخْلاَقُ، هَانَتِ الأمة، وفَقَدَتْ مُبَرِّرَ وُجُودِهَا وبَقَائِهَا، وآلَتْ إِلَى الزَّوَالِ.

فما مِنْ حَضارةِ بَادتْ، إلاَّ كانَ السَّبَبُ في انقراضها، اتِّصَافَها بهذه الموبِقَاتِ الخَمْسِ أو بعْضِهَا، فالزِّنَا والظُّلْمُ إذا اجْتَمَعَا، قَالاَ للْعِفَّةِ والعَدَالَةِ : ارْتَحِلاَ فَلَنْ نَجْتَمِعَ مَعَكُمَا أَبَداً.

فها هو ماأَخْبر به المعصُوم صلى الله عليه وسلم من أمراضِ فتاكةٍ بِسَبَبِ الزِّنَا، تُعَانِي البشريّةُ مِنها اليومَ بالمَلاَيينِ، وعلى رَأْسِهَا، مَرَض فُقْدَانِ المَنَاعَةِ، المسمّى >الإيدز< أو>السيدا< الذي عجَزَ الطبُّ المعاصر بإمكاناته الهَائلة، ومخابِرِهِ المُتَطَوِّرَةِ عن وجُودِ دَوَاءٍ شَافٍ لَهُ.

ومن المُضْحِكِ المُبْكِي أن تُعْقَدَ نَدَواتٌ ولِقاءاتٌ في شرق الأرض وغربها لِبَحْثِ أَنْجَعِ الوسائل لمُحاربة هذا الدّاءِ العُضَالِ، إلا أنَّ هَذِهِ الندواتِ، لا تَمَسُّ صُلْبَ الموضوع لمُعَالَجَتِهِ، وإنما تَلْكتفِي بوصْفِ أَسْبابِ المرض وتشْخِيصِهَا، وحصْرِهَا في الاتِّصالات الجِنسيَّةِ غَيْر المشْرُوعَةِ، ولم نَرَ نَدْوَةً أو هَيْئَةً، نَاشَدَتْ حُكُومَةً من الحكومات، للعمل على اقتلاع الأسباب المؤدية إلى ممارسة العلاقات الجنسية غير المَشْرُوعة، أو على الأقل إِصْدَار قَانُون إغْلاَقِ أَوْكَارِ وحَانَاتِ هَذِهِ الدَّعَارَة المَقِيتَةِ، وتَتَبُّعِ مُحْتَرِفِيهَا، وأكاَبِرِ مُجْرِمِيهَا، والغريبُ أن هذه النَّدَواتِ التي تَصِفُ أَسْبَابَ هَذِهِ الظاهِرَةِ، هِيَ التي تُشَجِّعُ عَلَى اقْتِرافِ هذه الأسبابِ والوُقُوعِ فِيهَا، حينَمَا تُؤَكِّدُ، على اسْتِعْمَالِ الأغْشِيَّةِ، وتَدْعُو الشَّبَابَ إلى ذَلِك، في وسائل الإعلام، بلا حَياءٍ ولاخَجَلٍ، وتَلَقَّتْ الصيدليَّاتُ ذلك بِصدرٍ رَحْبٍ، فوفَّرَتْ تِلْكَ الأغْشِيَّةَ بِنِسَبٍ عَالِيَةٍ، وبِثَمَنٍ زَهِيدٍ. ولاَ أَدَلَّ على ذلك من النَّدْوة التي عَقَدَتْهَا القَنَاةُ الثَّانِيَّةُ الوطنيَّة 11/02/94 في موضوع التحذيرِ من مَرَضِ السِّيدَا، والتي كانتْ فُرْجَةً أَكْثَرَ من كَونِهَا مُعَالَجَةً للمَوْضُوعِ. وكأَنَّ هَؤُلاَءِ يُشَجِّعُونَ بَرِيدِ الزِّنَا الذي هُوَ الغِنَاءُ، ولم يَسْتَحِ أَحدُ الحاضرين الذي أخْرَجَ من جَيْبِهِ غِشَاءً، وقال لَهُمْ : هَذَا عِلاَجُ السِّيدَا. أَلَيْسَ هَذَا ضَحِكاً على عُقُولِ النَّاسِ ومَصائرِهِم، أليسَ هذا سُخْرِيَّةً من شَعْبٍ بِأَكْمَلِهِ!!؟

لذلك يَصْدقُ على هذه الندوة المَثَلُ القَائِلُ >أَرَادَ أَنْ يَكْوِيَهُ فَأَحْرَقَهُ<.

وخلاصة القول إن هذا المرضَ سَيَزْدَادُ انْتِشَاراً وَفَتْكاً، مَا أَعْلَنَ النَّاسُ بالزِّنَا، ورَضُوا بالفَاحِشَةِ، ولَنْ يوقِفَهُ إلا الرُّجُوعُ لتَحْرِيمِ هَذِه الفاحِشَةِ، وتَقْوِيضِ أَرْكَانِهَا، حسما للشر، ودَرْءاً لأُصُولِ المفسَدَةِ وجُذُورِهَا، كَمَا أَخْبَرَ بذلك الصادق المصدوق.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>